الدراسات البحثيةالشرق الأوسطالمتخصصةتقارير استراتيجيةعاجل

الولايات المتحدة الأمريكية تــمــلأ الفراغ الفرنسي في الـــساحل الأفريقي

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

تدرج الموقف الأمريكي من النيجر منذ 26 يوليو 2023يوم وقع الإنقلاب العسكري الناجح الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم الذي لم يكن عهده القصير سوي خط مُستقيم ممتد من نقطة بداية النهج الذي إخطته سلفه الرئيس محمد إيسوفو الذي بموجبه تماهي بشكل مروع مع السردية الفرنسية والغربية عن الأوضاع في الساحل المؤسسة والمؤسسة علي أن الإرهاب الإسلامي والمـتمردين الإسلامين المُتشددين هم فقط وليس الجفاف والتصحر والأزمات الغذائية المزمنة التي ضربت وتضرب منطقتي الساحل والصحراء والمسارات الديموقراطية المزيفة والإنقلابات العسكرية هم معاً وبالتضافر السبب الحقيقي لإضطراب منطقتي الساحل والصحراء فالقارة الأفريقية ليست غريبة على الانقلابات فمنذ عام 1960 وقع ما لا يقل عن 214 محاولة انقلاب نجحت 106 منها خلال فترة الحرب الباردة وكانت الانقلابات من الأحداث السائدة بشكل خاص إذ كان التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يعني في الأساس أنه “إذا سيطرت على العاصمة فسيتم الاعتراف بك كشخص شرعي” , وقد وضع إعلان لومي في عام 2000 والذي تم تبنيه في عهد منظمة الوحدة الأفريقية سلف الاتحاد الأفريقي إطاراً للرد على عمليات الاستيلاء غير القانونية على السلطة وتمت الإشادة بالتطبيق المستمر لسياسة لومي باعتباره مساهمًا مهمًا في تراجع الانقلابات ومع ذلك فقد خرج الاتحاد الأفريقي عن قاعدة التعليق الفوري بعد انقلاب نوفمبر 2017 في زيمبابوي وانقلاب أبريل 2019 في السودان وفي عام 2021 فعل الاتحاد الأفريقي ذلك مرة أخرى بعد التحول غير الدستوري في تشاد بعد وفاة إدريس ديبي وتناول الإتحاد الأفريقي الإنقلاب العسكري والدستوري في تشاد بأعلي قدر من إزدواجية المعايير بدفع من الدبلوماسية الفرنسية في أروقة وكواليس الإتحاد الأفريقي , أما في النيجر فكانت الديموقراطية المزيفة هي الآلية التي أتت بالرئيس إيسوفو ومن بعده خلفه الرئيس محمد بازوم وبفعل سياساته المتماهية مع السياسة الفرنسية أصبحت النيجر في مواجهة مباشرة مع التيارات والتنظيمات الإسلامية المختلفة في ربوع منطقتي الساحل والصحراء إلي الحد الذي تبني الرئيس إيسوفو وبقوة وتفاني يُحسد عليه ولم يباريه فيه سوي الرئيس التشادي الراحل إدريس دبيي الذي قُتل بشمال تشاد في مواجهة مُسلحة مع المعارضة التشادية في 20 إبريل 2021 تبني دعم التدخل الفرنسي العسكري الوحشي الفاشل في مالي ثم في بلاده فقد أيد بل دعم التدخل العسكري الفرنسي في مالي المجاورة للنيجر من خلال عمليتي Serval في 11يناير 2013 وBarkhane في 1 أغسطس 2014العسكريتين وهما عمليتان وحشيتان لم يكن هناك أي رقابة من جانب الأمم المتحدة عليهما , بالضبط كما هي حالة العملية العسكرية الصهيونية ضد غزة التي يمارسها الصهاينة كإبادة جماعية في أرض مُحاصرة حصاراً لم تأذن به الأمم المتحدة أو مجلس الأمن وتنطلق من أرض مُحتلة .

صحيح أن العوامل الأساسية كإنعدام الأمن الاقتصادي والمؤسسات الديمقراطية الجوفاء الرخوة و/أو انخفاض مستويات التنمية والأسباب المباشرة أي زيادة مستويات العنف والمخالفات الانتخابية و/أو الاضطرابات المدنية) تظل موجودة في جميع أنحاء المنطقة ومتنامية طالما إستمرت التدخلات الخارجية والتنافس الدولي علي موارد أفريقيا , ولذلك ليس من المرجح أن تنحسر الإنقلابات العسكرية على المدى القريب بأفريقيا .

إلي جانب القوي الدولية المختلفة وتدخلاتها العسكرية والإقتصادية في القارة الافريقية أطلقت الولايات المتّحدةعام 2005 شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء المعروفة سابقاً بمبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء .

أعلنت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في النيجر في بيان صحفي لها نشرته في 10 أكتوبر 2023 التزامها تجاه النيجر ورغبتها في التعاون مع دولة النيجر من أجل إعادة بناء مؤسساتها الديمقراطية وأن الولايات المتحدة يجب أن تشارك في دعم الشعب النيجيري ومبدأ الديمقراطية وأشار البيان إلي أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها شريكا لديه إلتزام تجاه الشعب النيجيري وهي متحمسة لفكرة العمل مع الأطراف المعنية للمساهمة في جهود إعادة بناء المؤسسات الديمقراطية في النيجر , وأكدت السفارة  في بيانها مُجدداً عزم الولايات المتحدة على الحفاظ على الدعم الإنساني لا سيما في مجال المساعدات الغذائية والصحية من خلال إنقاذ الحياة والمساهمة في تحسين حياة الشعب النيجيري وأن الولايات المتحدة تخطط أيضًا لمواصلة التعاون مع حكومات المنطقة بما في ذلك النيجر لتعزيز مصالحها المشتركة في غرب أفريقيا وأعرب البيان في ختامه عن تضامن الولايات المتحدة تجاه شعب النيجر في سعيه من أجل الديمقراطية والازدهار والاستقرار وأشارت السفارة إلى أن أي استئناف للمساعدات من الولايات المتحدة مشروط بتنفيذ إجراءات المجلس الوطني لحماية البلاد وإقامة حكم ديمقراطي بطريقة سريعة وذات مصداقية وبالإضافة إلى ذلك جددت الولايات المتحدة دعوتها للإفراج عن محمد بازوم وعائلته وجميع المعتقلين .

بموجب القانون الأمريكي فإن التحديد الرسمي للانقلاب والإطاحة غير الدستورية بحكومة منتخبة ديمقراطيا- يؤدي عادة إلى تعليق جميع المساعدات غير الإنسانية وخاصة المساعدات والتعاون العسكري للدولة المعنية وكانت إدارة بايدن تؤجل قرار بإعتبار ما حدث في 26 يوليو إنقلاباً عسكرياً لأن النيجر تلعب دورًا حاسمًا في نشاط مكافحة الإرهاب الأمريكي في منطقة الساحل الإفريقي وتعتبرها العديد من الدول واحدة من آخر الدول الديمقراطية في المنطقة التي تتعاون معها لمواجهة ما تزعم أنه عنف جهادي مرتبط بتنظيم القاعدة    وتنظيم الدولة الإسلامية وشهدت بوركينا فاسو ومالي المجاورتين انقلابين منذ عام 2020 فالولايات المتحدة إتخذت من النيجر مركزا اقليمياً رئيسياً للقيام بدوريات واسعة النطاق بواسطة طائرات بدون طيار مسلحة وغيرها من عمليات مكافحة الإرهاب ضد الحركات الإسلامية المتطرفة وبالطبع فإن الهدف الحقيقي للمهام العسكرية الأمريكية في النيجر تجاوز ما تعلن عنه الولايات المتحدة فالإرهاب المزعوم ماهو إلا تكئة وزعم   وشكلت القواعد الأمريكية في النيجر جزءاً مهماً من الجهود الأميركية الشاملة في غرب أفريقيا والنيجر التي   تستضيف أكثر من 1000 جندي في البلاد , وفي إطار المخاوف الأمريكية من زحف مُحتمل لروسيا (فاجنر علي وجه خاص) أو الصين ففي أكتوبر 2023 سلمت وزارة الدفاع الأمريكية إلى الكونجرس تقرير القوة العسكرية الصينية لعام 2023 وقال مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية أن التقرير السنوي المقدم إلى الكونجرس يعتمد على فرضية استراتيجية الدفاع الوطني بأن الصين هي المنافس الوحيد الذي لديه النية والإرادة والقدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي (لدي الصين أكثر من 500 رأس حربي نووي جاهز للاستخدام اعتبارًا من مايو 2023كما أن للصين أكبر قوة بحرية في العالم فتضم قوة قتالية قوامها أكثر من 370 سفينة وغواصة كما أطلقت الصين حاملة طائراتها الثالثةعام2022 وقامت بتشغيل سفينتها الهجومية البرمائية الثالثة)  وأضاف قوله : “إن استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022 تحدد أن جمهورية الصين الشعبية تتمتع بقدرات عسكرية متزايدة باعتبارها التحدي الأكبر الذي يواجه الوزارة” , لذا فالروس إلي حد ما والصين إلي حد أبعد أو كلاهما معاً هما التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة دولياً وفي أفريقيا خاصة أن مسؤول دفاعي صيني كبير قال :”إن الصين ترى أن ظهورها كقوة عظمى مرتبط بالتحالف مع روسيا” , هذا بالإضافة إلي أن هناك ثمة مخاوف أخري ولهذا ولأسباب أخري قام وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن بزيارة النيجر في 16 مارس2023إلتقي خلالها بالرئيس محمد بازوم ووزير الخارجية حسومي مسعودو في نيامي وناقش معهما سبل تعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة والنيجر في مجالات الدبلوماسية والديمقراطية والتنمية والدفاع وجهود مكافحة الإرهاب التي تستهدف ما تدعيه الولايات المتحدة لمن تزعم أنهم متطرفين إسلاميين في النيجر ومنطقة الساحل على نطاق أوسع .

في الأشهر التي تلت انقلاب يوليو2023 تردد أن الولايات المتحدة تقوم بسحب بعض قواتها ونقل بعضها الآخر من القاعدة الجوية بالقرب من العاصمة نيامي إلى قاعدة أخرى في أجاديز على بعد حوالي 560 ميلاً (900 كيلومتر) , ولكن مع ذلك يمكن القول أن الولايات المتحدة في الواقع كانت مُتمسكة بوجودها العسكري في قواعدها اثلاث بالنيجر وإحداهم تكلفت نصف مليار دولار وهي مخصصة للطائرات بدون طيار , كما أن الولايات المتحدة من خلال قيادتها العسكرية لأفريقيا AFRICOM تراقب عن كثب تداعي الوجود العسكري الفرنسي في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتتطلع لملأ الفراغ العسكري والسياسي والإقتصادي الفرنسي  وعليه فقد إكتفت بالتلويح لإمكانية إنسحابها العسكري لا لشيئ إلا للظفر بأكبر مساحة ممكنة من الفراغ الفرنسي ( تزامن رحيل القوات الفرنسية من النيجر مع الانسحاب السريع المستمر لأكثر من 13000 جندي من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من مالي) , ولهذا في 18 أغسطس 2023 صرح الجنرال جيمس هيكر قائد القوات الجوية الأمريكية في أوروبا وإفريقيا خلال حدث لمجموعة كتاب الدفاع وقال : “نحن نخطط [للإخلاء] لأنه من الحكمة التخطيط للاستعداد لجميع المواقف” و “نأمل ألا نضطر إلى الإخلاء , هذا هو الشيء الأول ولهذا السبب نحافظ على علاقات وثيقة مع العلاقات العسكرية التي كانت لدينا في الماضي فنحن نحاول التأكد من أننا التوصل إلى حل دبلوماسي لا يتحول إلى حل حركي على الإطلاق”, فالأمريكيون إكتفوا بمثل هذا التصريح لكنهم لم يتخذوا إجراءات عملية للإخلاء العسكري بالطبع , فالولايات المتحدة ظلت خلال الإنسحاب الفرنسي وتوتر علاقة النيجر بالأيكواس بسبب الإنقلاب العسكري تأمل  في التوصل إلى حل سلمي يسمح لها في نهاية المطاف بالاحتفاظ بقواعدها في النيجر لكنها تستعد في حالة تدهور الظروف على الأرض بشكل أكبر , وأوضح هيكر أن قرار الانسحاب لم يتم اتخاذه بعد وبدلاً من ذلك تخطط الولايات المتحدة لاحتمال أن يكون مثل هذا الإخلاء في بيئة متساهلة أو غير متساهلة ضروريًا وأضاف : “هذا القرار ليس قريبًا من اتخاذه وأعتقد أن أمامنا أسابيع إن لم يكن أطول بكثير قبل أن تصدر قيادتنا المدنية أمرًا إما بالبقاء أو – حسنًا الإخلاء أو عدم الإخلاء لكنني أعتقد أنه سيكون من الخطأ أن تقول إننا نستعد للرحيل لأن ذلك يعني أنك تعلم أننا سنغادر وقد قررنا بالفعل المكان الذي لم نغادر فيه”وأوضح هيكر أن قرار الانسحاب لم يتم اتخاذه بعد , وقال هيكر إن إجلاء القوات الأمريكية سيكون له “من الواضح تأثير على قدرة الجيش الأمريكي على جمع المعلومات الاستخبارية وإجراء المراقبة والاستطلاع في منطقة الساحل ” وأضاف “أنه إذا أُجبر على الانسحاب فسوف يتطلع الجيش إلى الشراكة مع حلفاء آخرين في غرب أفريقيا ونقل أصوله” , وقد أكد معني العبارة الأخيرة للجنرال جيمس تصريح آخر لسابرينا سينج نائبة السكرتير الصحفي للبنتاجون التي قالت : “سنظل قادرين على امتلاك قدرات داخل المنطقة لكن النيجر شريك ولا نريد أن نرى هذه الشراكة تنهار” فلقد استثمرنا مئات الملايين من الدولارات في قواعد هناك وتدربنا مع الجيش هناك ” فللجيش الأمريكي قاعدتين للطائرات بدون طيار في النيجر بما في ذلك مطار بتكلفة 110ملايين دولار خارج مدينة أجاديز وسيتم تركهما في عملية الإخلاء وتتميز القاعدة الأمريكية خارج أجاديز بمدرج بطول 6200 قدم لطائرات بدون طيار من طرازMQ-9 Reaper بالإضافة إلى الطائرات المأهولة وقد أشار الجنرال جيمس هيكر إن هناك قاعدة أخرى على الأقل مشتركة مع مطار مدني وتمتلك الولايات المتحدة ثلاث قواعد للطائرات بدون طيار في النيجر إحداها تديرها وكالة المخابرات المركزية كما أن الولايات المتحدة ستأخذ “كل شيء معها” في حالة الانسحاب البطيء والسلمي لكنها ستترك وراءها وحدات سكنية وغيرها من المعدات غير الحساسة إذا اضطرت إلى الفرار في بيئة خطرة , ولكن من جهته قال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة خفضت عدد أفرادها العسكريين المنتشرين في النيجر بأكثر من 40% في أعقاب الانقلاب الذي وقع في صيف2023 وأنهى مهام مكافحة الإرهاب وفي رسالة استشارية إلى الكونجرس بتاريخ 7 ديسمبر2023 قالت الإدارة إن هناك الآن 648 عسكريًا أمريكيًا في النيجر انخفاضًا من حوالي 1100 كانوا بالنيجر قبل استيلاء المجلس العسكري على السلطة والإطاحة بالرئيس محمد بازوم في يوليو2023وفي أعقاب الانقلاب بدأت الولايات المتحدة في سحب بعض القوات بينما ركزت البعض الآخر في قاعدة جوية على مشارف مدينة أجاديز بالصحراء الكبرى والتي تعتبر بمثابة مركز لعمليات الطائرات بدون طيار في المنطقة ومع ذلك اضطرت الولايات المتحدة إزاء المخاوف من تكرار حالة مالي وفاجنر إلى إنهاء تعاونها مع النيجر في جهود مكافحة الإرهاب وفقا للقواعد الأمريكية التي تحظر الشراكة مع المجالس العسكرية كما بدأت القوات الجوية الأمريكية في التحليق من موقع أجاديز المعروف باسم القاعدة 201 ففي عام 2019 تم بناء هذه المنشأة بتكلفة 110 ملايين دولار تقريبًا وكان الهدف منها أن تكون بمثابة مركز لعمليات مكافحة الإرهاب الإقليمية .

المهم أن البنتاجون إعترف في 15 أغسطس 2023  بأن فقدان القدرة على الوصول إلى النيجر سيكون كبيرا ويصعب تعويضه , ووفقاً لمتابعتي لتداعيات إنقلاب النيجر العسكري في 26 يوليو 2023 فقد لاحظت أمرين أولهما أن لا تصريحات عدائية من قادة الإنقلاب للولايات المتحدة فقد ركز القادة العسكريين بالإنقلاب علي رفض الوجود العسكري والدبلوماسي الفرنسي فقط ولم يمس قادة الإنقلاب الولايات المتحدة حتي ولو بالتلميح , ثانيهما أن قادة الإنقلاب خلافاً لحالة قادة إنقلاب مالي لم يتصلوا بفاجنر وكانت إتصالاتهم بروسيا محدودة , أضف لهذا أن الولايات المتحدة من أول يوم في إنقلاب 26 يوليو2023 لم تتدخل في الأزمة التي بين فرنسا وقادة الإنقلاب بل نأت بنفسها وكأن الأمر لا يعنيها وفي الواقع كانت هناك منافسة مكتومة بين الولايات المتحدة وفرنسا خاصة في الشأن العسكري لأن القيادة الأفريفية العسكرية للولايات المتحدة AFRICOM منذ الإعلان عن نشأتها في فبراير 2007 وهي تعمل علي تحجيم الوجود العسكري الفرنسي في غرب أفريقيا إن لم تزحه نهائياً من أفريقيا كلها , لكن لفرنسا تبرير آخر غير الإرادة الأمريكية لإزاحتها عن أفريقيا فإضافة للمشاعر العدائية في غرب أفريقيا خاصة للوجود الفرنسي , فقد نُشر في 26 مايو 2023 تصريحات للواء الفرنسي سيريل كارسي وهو ملحق دفاع سابق بالسفارة في واشنطن ويشغل الآن منصب نائب مدير مديرية المخابرات العسكرية الفرنسية (DRM لـ “Direction du renseignement militaire”) قال فيها لـ Breaking Defense في مقابلة أجريت معه مؤخرًا إن الصراع في أوكرانيا أجبره على توسيع مجالات تركيز مكتبه وأوضح أنه “وبعد تعزيزنا منذ 24 فبراير 2022 لم نعد نركز على زاوية 60 درجة بين غرب أفريقيا والشرق الأوسط التي تمليها الحرب ضد الإرهاب ولكننا ننظر حولنا باستمرار بطيف 360 درجة ليس فقط من الناحية الجغرافية”وقال كارسي : “ولكن أيضًا مع تكامل الفضاء والمجالات السيبرانية وتحت الماء” , وفي الجزء الأخير من لقاءه الصحفي قال : ” أن إدارته تحتاج إلى رؤية “360 درجة” للعالم – وهذا يشمل عدم الانغلاق على أوكرانيا فقط على الرغم من أهمية الصراع المستمر وأضاف أن “القلق بالطبع هو أنه كلما طال أمد حرب الاستنزاف هذه، كلما استفادت موسكو أكثر، في حين أن تقويض النظام والتوازن العالميين يؤدي إلى تفاقم احتمالات قهر وإغراءات اللاعبين المتنافسين على الساحة الدولية مما لا يعرض أوطاننا فحسب للخطر بل يهددها أيضًا ويهددأراضينا الخارجية”. “لهذا السبب من الضروري للغاية “الابتعاد” عن أوكرانيا حتى لا تفاجئنا” وقال ” ومن بين القضايا التي تتابعها إدارة الحقوق الرقمية : “استراتيجية الافتراس التي تتبعها مجموعة فاجنر في أفريقيا الوسطى ومالي وتحايل روسيا على العقوبات الغربية  .

من ناحية أخري قال بيتر فام المبعوث الأمريكي الخاص السابق لمنطقة الساحل بغرب أفريقيا والزميل البارز في المجلس الأطلسي “إنه في حين أن إعلان الانقلاب يأتي بعواقب فإنه يعكس حقيقة الوضع مما يشير إلى أنه من غير المرجح التراجع عن الإطاحة ببازوم ولكن مسؤولون في الإدارة إنه في حين لا يزال هناك بصمة كبيرة في البلاد فإن تلك القوات لا تقوم بتدريبات مشتركة أو بمهام لمكافحة الإرهاب مما يثير تساؤلات حول سبب بقائهم وقال المسؤولون الأمريكيون إن عمليات المراقبة بالطائرات بدون طيار ستستمر وستقتصر على حماية القوة ( طبعاً ليس هناك يقين أن هذا الكلام واقعي) ومع ذلك أقر المسؤولون أيضًا بأن ” القوات بحاجة إلى البقاء لمراقبة التهديدات على نطاق أوسع في المنطقة لضمان أن الفراغ الأمني في النيجر لا يخلق فرصة للخلايا الإرهابية لاستغلالها ” , وهي الإسطوانة المكررة التي كان الفرنسيين يسمعونها للقاصي والداني وبها من المبالغة القدر الكبير , فالولولايات المتحدة لديها طموح في ملأ الفراغ الفرنسي وتشجيع الإنقلابات العسكرية في القارة الأفريقية فقادة الإنقلابات العسكرية الأفارقة لديهم صلات متينة بالمؤسسات العسكرية والأمنية الأمريكية قد تبلغ حد التلقين , وهي في هذا النهج تتحلي بقدر عظيم من البراجماتية لإزاحة المنافسون الجيوسياسيون و/أو وكلاؤهم وذلك بالتوازي مع ترديد نفس النغمة أو غيرها من أنشودة الإرهاب التي تتذرع القوي الكبري بها لتسويغ تدخلاتها , ومن المثير للدهشة تلك الإزدواجية في الخطاب الأمريكي كما الروس وأضرابهم فمثلاً في مارس 2023 تحدث الجنرال مايكل إي. لانجلي في مشاة البحرية في 3 مارس 2023 إلى الصحافة من روما على الموقع الإلكتروني الذي تستضيفه وزارة الخارجية الأمريكية  وتحدث لانجلي عن أنشطة مجموعة فاجنر في ليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى (فاجنرمنظمة شبه عسكرية روسية تقاتل أيضًا في أوكرانيا) وقال: ” أن لمجموعة فاجنر آثار مزعزعة للاستقرار في كل دولة تطأها أقدامها وفاجنر تستخدم أساليب وحشية وتنخرط في انتهاكات حقوق الإنسان وتجني الثروة من خلال ممارسات النهب و رد الولايات المتحدة على تسلل فاجنر هو دعم الدول الأفريقية من خلال نهج الحكومة بأكملها وأعتقد أنه من خلال كل تلك العمليات والاستثمارات والأنشطة يمكننا تحقيق أهداف طويلة المدى لهذه الدول وأشار لانجلي إلي أن بعض الجهود العسكرية الأخيرة الأمريكية في جميع أنحاء القارة تشمل :

  • – اجتماع قادة عسكريون من 43 دولة أفريقية و15 وحدة من الحرس الوطني الأمريكي في روما هذا الأسبوع للتعاون والتعلم من بعضهم البعض .
  • – تقوم الولايات المتحدة بتزويد الجيش الصومالي بأنواع من طراز AK-47 وذخائر أثناء قتاله متمردي حركة الشباب .
  • – تشارك في تمرين فلينتلوك 29 دولة في الاستجابة للأزمات ومكافحة الإرهاب .
  • – تساعد مناورة أوبانجيم إكسبريس 23 في الأمن البحري في خليج غينيا وبناء القدرات العسكرية في بنين وكوت ديفوار وغانا ونيجيريا وتوجو والقوات الأمريكية المشاركة هي الجيش والبحرية وخفر السواحل .
  • – تتناول تمرينات الأسد الأفريقي التهديدات الإقليمية وقابلية التشغيل البيني .
  • – تستضيف كينيا مناورة بحرية Cutlass Express .

الولايات المتحدة تستعيد التعاون العسكري والإقتصادي مع النيجر فيما يتراجع مع الإتحاد الأوروبي وفرنسا :

بغض النظر عن هذا الجدل الأمريكي بشأن إنقلاب النيجر العسكري في النيجر فقد أرسل وزير الخارجية الأمريكي ANTONY J. BLINKEN  في 18 ديسمبر 2023 تهنئة باليوم الوطني للنيجر لنظيره وزير الخارجية بالنيجر نصها : ” تقف الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب الشعب النيجيري في تطلعاته إلى الديمقراطية والازدهار والاستقرار ونحن ندرك التحديات التي تواجهها النيجر ونأمل في تجديد شراكتنا لتعزيز المبادئ الديمقراطية وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل وتعزيز الأمن” , وهذا يعني إلي حد كبير أن هناك ميلاً أمريكياً لتجاوز نقطة الإختناق في العلاقة أي جدلية الإنقلاب العسكري في حد ذاته والإستعداد لمواصلة العلاقات الثنائة في تزامن مثير مع خروج فرنسا المُذل عسكرياً من النيجر ومالي وبوركينافاسو (في 19 فبراير2023 أعلن جيش بوركينا فاسو رسميًا عن انتهاء عمليات فرقة العمل “سيبر” في البلاد وذلك خلال احتفال أقيم في معسكر بيلا زاجري في كامبوينسين على مشارف واجادوجو ويأتي سحب نحو 400 جندي من هذه القوة الخاصة المسؤولة عن تعقب الجهاديين في منطقة الساحل بعد أسابيع قليلة من تنديد الحكومة الانتقالية باتفاقيات الدفاع التي تربط فرنسا وبوركينا فاسو في سياق توترات شديدة بين البلدين) , مع أن الولايات المتحدة في في 10 أكتوبر2023 أعلنت من خلال وزارة الخارجية الأمريكية أنها توصلت أخيراً إلى أن الانقلاب العسكري الذي حدث في 26 يوليو2023 في النيجر يشكل انقلاباً وقالت وزارة الخارجية أيضًا إنه وفقًا للمادة 7008 من تشريع المخصصات السنوية للدولة والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة فستعلق الولايات المتحدة نحو 200 دولار من المساعدات العسكرية والتنموية – مع الحفاظ على “مساعداتنا الإنسانية والغذائية والإنسانية المنقذة للحياة” أي المساعدة الصحية لصالح شعب النيجر وأن الولايات المتحدة  تؤكد عمليات التعليق هذه وتمديد فترة التوقف الأولي لبعض المساعدات في أعقاب الانقلاب مباشرة , وقد كان هذا القرار القانوني وتعليق المساعدات الذي أعقبه هو القرار الصحيح في نظر المؤسسات الأمريكية التي في الواجهة لكن الدولة العميقة لها رأي آخر علي الرغم من أن الولايات المتحدة بتعليق المساعدة  وأملت في أن يبعث هذا التعليق برسالة مفادها أن واشنطن على الأقل في حالة النيجر لن تعطي الأولوية بلا رحمة لـ “المصالح الاستراتيجية” المبالغ فيها على الاختيار الفوري المتمثل في التعامل مع مدبري الانقلاب باعتبارهم شرعيين وهذه الرسالة تتظاهر الولايات المتحدة بأنها مهمة في أفريقيا حيث كانت واشنطن في العلن وليس في الكواليس تعلن بالفعل , غير أنها أي الإدارة الأمريكية تتظاهر أيضاً بأنها متسقة بشكل صارخ في الرد على الموجة الأخيرة من الانقلابات , فمن المفروض أنه بعد صدور إعلان الانقلاب يتعين على إدارة بايدن أن تتجنب إغراءات منح النيجر تنازلاً (وهو احتمال بموجب المادة 7008) أو قبول انتخابات معيبة باعتبارها كافية للسماح باستئناف المساعدة العسكرية وقد يشهد العام المقبل بداية مرحلة جديدة في نمط الحكم العسكري في المنطقة مع اقتراب الموعد المقرر لإجراء انتخابات في مالي وبوركينا فاسو وتشاد وقد بدأ الجدول الزمني يتراجع بالفعل في مالي وهو ما ينبغي أن يثير في حد ذاته توبيخاً أميركياً علاوة على ذلك كلما أجريت انتخابات كان هناك احتمال كبير بأن تتم عملية التصويت وفقًا للشروط التي تمليها المجالس العسكرية التي قد تدير أعضائها أو تحاول استخدام المدنيين كبيادق , ففي حالة إنقلاب النيجر يجب أن يكون إعلان أن ما جري فيها يوم 26 يوليو2023  , ويكون ذلك الإعلان من جانب الولايات المتحدة البداية وليس النهاية لموقف أقل مساومة من جانب واشنطن تجاه الانقلابات نفسها والمكائد السياسية لصانعي الانقلابات في منطقة الساحل علي الرغم من سياسة قادة إنقلاب النيجر إزاء فرنسا وطرد الوجود العسكري الفرنسي سيعد ميزة من جانب القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM  .

لكن مالم يقله الجنرال الأمريكي مايكل إي. لانجلي هو ما أعترفت به القيادة الأمريكية العسكرية لأفريقياAFRICOM  نفسها وهي الإنتهاكات الوحشية والضحايا المدنيين الصوماليين جراء الغارات الجوية للطيران الأمريكي في الصومال والتي أكتفت هذه القيادة بالإعتذار فقط عن بعض هذه الغارات مع مواصلتها كما يفعل الكيان الصهيوني في غزة وكما يفعل الروس في سوريا ( نفذت القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في الصومال 42 غارة جوية في الفترة من 2007 إلى 2017 ثم زادت في ظل إدارة ترامب تلك الضربات بسرعة حيث أطلقت 43 غارة أخرى بين يناير وأغسطس 2020على الرغم من أنه من الثابت أن الضربات الجوية الأمريكية تخلق معدلًا مرتفعًا من الهجمات أودي بحياة ضحايا مدنيين والتي غالبًا ما لا يتم الإبلاغ عن الكثير منها من قبل الجيش وواصلت إدارة بايدن قصف الصومال  .

من الواضح أن التحديات العسكرية التي تواجه الولايات المتحدة مُتعددة , ولذلك نجد أن المشرعين الأمريكيين أقروا مشروع قانون الإنفاق الدفاعي السنوي الضخم يوم 14 ديسمبر 2023 ووافقوا على قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) الذي تبلغ قيمته 886 مليار دولار، بأغلبية 310 أصوات مقابل 118 ليوقعه الرئيس جو بايدن ليصبح قانونًا ويُلاحظ أن مشروع القانون الذي يحدد السياسة وأولويات الإنفاق لوزارة الدفاع لعام 2024 يزيد بمقدار 28 مليار دولار عن فاتورة الإنفاق العام الماضي أي بزيادة قدرها حوالي 3 %  , كما وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون تفويض الدفاع الوطني في وقت متأخر من يوم 13 ديسمبر2023 بأغلبية 87 صوتًا مقابل 13, ولا يزال المشرعون الأمريكيون يتفاوضون على طلب البيت الأبيض الإضافي للأمن القومي بقيمة 106 مليارات دولار والذي يتضمن 60 مليار دولار من المساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا بالإضافة إلى ما يقرب من 14 مليار دولار لمساعدة إسرائيل في الصراع مع حماس  .

من جانبها قالت مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولي في في 13 ديسمبر2023 بعد اجتماع مع القادة العسكريين الذين استولوا على السلطة في النيجر في انقلاب في يوليو 2023 , إن الولايات المتحدة تعتزم استئناف التعاون الأمني والتنموي مع النيجر بشرط أن تتخذ خطوات لاستعادة الديمقراطية وإنها التقت بكبار الوزراء في المجلس العسكري الحاكم في النيجر المعروف باسم CNSP وشجعتهم على الإعلان عن جدول زمني للانتقال السريع إلى الحكم الديمقراطي وأوضحت مولي في في مؤتمر صحفي في العاصمة النيجرية نيامي أننا “في مناقشاتي أكدت نية الولايات المتحدة استئناف التعاون الأمني والتنموي على مراحل وبشكل متبادل بينما تتخذ CNSP إجراءاتها (تعني التقدم علي المسار الديموقراطي كما تزعم) وأضافت في : “لقد أوضحت لأعضاء الـ CNSP أننا نريد أن نكون شريكًا جيدًا مرة أخرى لكن CNSP يجب أن تكون هي الأخري شريكًا جيدًا للولايات المتحدة”وإنها حثت المجلس العسكري على الرد بشكل إيجابي على عرض لإجراء مفاوضات رفيعة المستوى مع مجموعة إيكواس لغرب أفريقيا وهي المجموعة التي قالت يوم 10 ديسمبر2023 إنها ستخفف العقوبات على النيجر إذا سارت المحادثات مع القادة العسكريين بشكل جيد وأن الولايات المتحدة تأمل في التوصل إلى “حل مرض” فيما يتعلق بوضع الرئيس السابق محمد بازوم وعائلته المحتجزين رهن الإقامة الجبرية منذ الانقلاب” , وإتصالاً بذلك فقد أرسل الرئيس جو بايدن رسالة إلى الكونجرس في الأسبوع الأول من ديسمبر2023 قال فيها أن هناك حوالي 648 عسكريًا أمريكيًا منتشرين في النيجر وقبل إعادة تموضع القوات في سبتمبر كان هناك حوالي 1100 جندي أمريكي في البلاد , ويُذكر أنه إبان عهدي الرئيسين ممادو إيسوفو وبازوم كانت النيجر حليف مهم في حرب واشنطن ضد من تزعم الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون أنهم “متمردين إسلاميين ” ممن قتلوا آلاف الأشخاص – في زعمهم – في منطقة الساحل بغرب أفريقيا وقد قطعت الولايات المتحدة مثل فرنسا وشركاء غربيين آخرين المساعدات عن النيجر بعد الانقلاب العسكري في يوليو2023 لكن لا المجلس العسكري الحاكم في النيجر المعروف باسم CNSP ولا الولايات المتحدة طلب أي منهما سحب القوات الأمريكية من النيجر (على مدار العقد الماضي قامت القوات الأمريكية بتدريب القوات النيجيرية على مكافحة – حسب زعمهم – الإرهاب وأدارت قاعدتين عسكريتين بما في ذلك قاعدة تقوم بمهام بطائرات بدون طيار ضد تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في المنطقة) مما أتاح المجال لاستئناف التعاون لكن خلافاً لحالة الولايات المتحدة فقد طرد المجلس العسكري في النيجر القوات الفرنسية وقطع الاتفاقات الأمنية مع الاتحاد الأوروبي منذ توليه السلطة مما أثار قلق الحلفاء الغربيين من أن تصبح البلاد موطئ قدم جديد لروسيا في المنطقة وهو مالم تكن هناك إشارات واضحة عنه .

إن إنحسار نفوذ وتواجد فرنسا العسكري في أفريقيا الوسطي ومالي وبوركينافاسو والنيجر وإقتحام روسيا عن طريق شركة “فاجنر” للمرتزقة الفراغ الذي نجم عن هذا الإنحسار أثار شهية الأمركيين للتقدم في الساحل لكن أثار أيضاً الخشية من تمدد الروس في النيجر فهم قد وطدوا وضعيتهم في جمهورية أفريقيا الوسطي , والفرنسيين قد إنسحبوا عسكرياً ودبلوماسياً من النيجر وتوجهوا إلي تشاد التي يتجمع بها حالياً الثقل العسكري الفرنسي إلي أن تعيد فرنسا ترتيب تحركها السياسي والعسكري مُجدداً في غرب أفريقيا , وفي إطار محاولتها إستعادة روابطها العسكرية مع أفريقيا فقد نُشر في 2 ديسمبر 2012 أن إجتماعاً عُقد في Draguignan  بجنوب شرق فرنسا حضره ثلاثة مسؤولين فرنسيين وأفارقة للمشاركة في تشكيل فريد من نوعه يتزامن مع نهج فرنسي جديد في جميع أنحاء أفريقيا وإعادة النظر في العلاقات العسكرية مع أفريقيا وفي إطار هذه السياسة الجديدة أعلن سيباستيان لوكورنو وزير الجيش الفرنسي عن زيادة كبيرة في أماكن التكوين المقدمة للشركاء الأفارقة وهذا يعني أن فرنسا لم تصب بالإعياء ولم تيأس بعد فهي تحاول وستحاول العودة لأفريقيا لتحقيق نفس الهدف :  “الإستغلال ” ,  المدهش أن القادة ووسائل الإعلام الفرنسية يتهمون روسيا بانتظام بنهب الموارد الطبيعية والعنف ضد سكان بوركينا فاسو والنيجر ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى فإنهم يفضلون وأعلنت وزيرة الدفاع فلورنس بارلي في منتدى داكار السابع حول السلام والأمن في إفريقيا (6 ديسمبر 2021) أنه “إذا كانت فرنسا وشركاؤها يعارضون فاجنر فذلك لأنهم رأوا في جمهورية إفريقيا الوسطى وقدرتها على زعزعة الاستقرار وانتهاكاتها ضد السكان وفقدان سيادة الدولة ونهب الموارد والفشل على المستوى العملي والمصالح الخاصة والمالية التي توضع فوق مصالح السكان” والشركاء المعنيون هم السويد وإنجلترا والدنمارك وجمهورية التشيك وإستونيا الذين وافقوا على إتاحة 150 و90 و70 و60 و50 رجلاً لعملية برخان على التوالي وهو ما يمثل مساهمة هزيلة مقارنة بـ 4500 جندي فرنسي ولم يقدم الألمان والإسبان سوى الخدمات اللوجستية لهذه العملية العسكرية وقد رفضوا السماح لجنودهم بالمشاركة في هذه المغامرة ربما لأنهم اعتبروها غامضة  , فعمليتي Serval و Barkhane لا تقلان وحشية وإنتهاكاً لحقوق الإنسان عن ماتتهم به فرنسا الروس  , فكل القوي الكبري تتصارع في أفريقيا وللأسف هناك من الرؤساء الأفارقة الكثير ممن يعاونهم ويوفر لهم أسباب النهب والسرقة والإفساد , ففاجنر لم تكن هي من ذبح 300 جندي أفريقي في تياروي في 1 ديسمبر 1944 وفاجنر ليست مسؤولة عن 64 شابا من ساحل العاج قُتلوا ببرود في السادس من نوفمبر 2004 أمام فندق العاج في أبيدجان ولا أثناء تفجير المقر الرئاسي في ساحل العاج في أبريل 2011 وليست روسيا هي التي تستغل اليورانيوم القادم من النيجر الدولة المصنفة بين أفقر البلدان في العالم وفلاديمير بوتين ليس هو من يدعم الطغاة والولاية الثالثة غير الدستورية ولا هو من أصدر الفرنك الأفريقي الذي يؤدي إلى إفقار الأفارقة بينما يعمل على إثراء فرنسا الموصومة دائماً .

أما بالنسبة إلي النجر فهي مهمة للإستراتيجية الأمريكية في منطقتي الساحل والصحراء ولذلك أعتقد أنه ربما كان أحد أهداف زيارة الوزير أنطوني بلينكن للنيجر في مارس 2023 هو التمهيد لتوقيع إتفاقية أمنية / عسكرية مع النيجر بموجبها تقترح التفاوض علي توسيع مدي ونطاق التعاون الأمني والعسكري ما بين النيجر والولايات المتحدة لإنشاء قاعدة عسكرية متعددة الأغراض بحيث لا يقتصر الأمر علي قاعدتي الطائرات بدون طيار في نيامي وأجاديز خاصة وأن موقع النيجر الجغرافي والجيوسياسي ممتاز فهي بين تشاد حيث الوجود الفرنسي العسكري الكثيف (أرسلت الولايات المتحدة في مايو 2013 نحو 80 عسكري أمريكي لتشاد للعمل في قاعدة أقيمت للطائرات المُوجهة عن بعد DRONES وإدارة عملية مسح جوي للبحث عن البنات اللائي قيل أن جماعة Boko Haram إختطفتهن من منطقة بشمال نيجيريا المجاورة وبعد فترة أعترفت أفريكوم عن أنها خفضت عدد الطلعات الجوية والمسح الجوي للبحث عنهن من أجل التركيز علي مهام أخري) وجنوب ليبيا ومتاخمة لمالي (منطقة AZWAD ) وتعتبر إلي حد ما مستقرة سياسياً وبها عملية ديموقراطية مقبولة لدي الغرب .

هناك مبرر قوي لدي الأمريكيين للتواجد العسكري علي نحو خاص في النيجر ففي 11 سبتمبر 2001 كما هو معروف أصيبت الولايات المتحدة بصدمة في القلب , لذا بدأ الرئيس جورج دبليو بوش ما أسماه بالحرب الصليبية وبدأ الحرب ضد الإرهاب المزعوم والذي أصبح لازمة لدي القادة الديكتاتوريين في العالمين الأول والثالث معاً فتحت هذا الزعم خاضت الولايات المتحدة حربها في العراق وأفغانستان وكذلك نظر المراقبون للصراعات في باكستان , ومع تطور التكنولوجيا استخدم الأمريكيون الطائرات بدون طيار منذ عدة سنوات لا سيما في القتال ضد القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية المسلحة , وقلل خليفة بوش باراك أوباما من قوة وكالة المخابرات المركزية (CIA) على هجمات الطائرات بدون طيار من خلال منح تلك السلطة للجيش الأمريكي وأستند هذا القرار إلى حقيقة أن استخدام الطائرات المسيرة تسبب في وقوع إصابات في صفوف المدنيين ومع ذلك يبدو أن الأمور قد تغيرت منذ انتخاب دونالد ترامب للبيت الأبيض فخلال فترة ولايته عين الرئيس ترامب مايك بومبيو وزيرا للخارجية الذي أقنع الرئيس بتغيير القرار بشأن استخدام الطائرات بدون طيار , ومن المهم أن نذكر أن مايك بومبيو كان مديرًا سابقًا لوكالة المخابرات المركزية  وبدأت الولايات المتحدة مؤخرًا في استخدام قاعدة عسكرية في النيجر في ديركو , وشنت كالة المخابرات المركزية هجمات بطائرات بدون طيار ضد المتمردين الإسلاميين في ليبيا من قاعدة جديدة في شمال شرق النيجر , والمعلومات المتوفرة حاليًا لا تجعل من الممكن معرفة إلى متى تستخدم الولايات المتحدة هذه القاعدة , لكن وزيرا في الحكومة النيجيرية “إعترف بوجود طائرات أمريكية بدون طيار في هذه البلدة الصحراوية الصغيرة , وعلاوة على ذلك ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز ، “تنقل وكالة المخابرات المركزية حاليًا طائرات إلى شمال شرق النيجر لاستهداف المسلحين الإسلاميين في جنوب ليبيا ، مما يشير إلى توسع عمليات الطائرات بدون طيار , وتستخدم حكومة الولايات المتحدة هذه القاعدة للمراقبة وأيضًا لمحاربة “التهديد المتزايد المرتبط بمن أسمتهم “لمتشددين الإسلاميين”, ومن المهم ملاحظة أن حكومة النيجر تدعم الولايات المتحدة في استخدامها للطائرات بدون طيار .

في عام 2014 أنشأ البنتاجون قاعدة طائرات بدون طيار في واحدة من أبعد الأماكن على وجه الأرض: مفترق طرق قافلة قديمة في وسط الصحراء في مدينة أجاديز بشمال النيجر وذلك بعد شهور من المفاوضات سمحت في نهايتها حكومة النيجر وهي دولة غير ساحلية في غرب إفريقيا للجيش الأمريكي بطيران طائرات مسيرة غير مسلحة من مدينة أجاديز الصحراوية ذات الأسوار الطينية وذلك وفقًا لما صرح به مسؤولين من النيجر والولايات المتحدة , ويمنح القرار الذي لم يكشف عنه من قبل وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) مركزا آخر للمراقبة – الثاني في النيجر والثالث في المنطقة – لتعقب ما يصفهم الأمريكيين “بالمقاتلين الإسلاميين”الذين زعزعوا استقرار أجزاء من شمال وغرب إفريقيا  وهذه هي من القاعدة الثانية للطائرات بدون طيار في النيجر حيث القاعدة الأولي في نيامي عاصمة النيجر .

ذكرت وكالة رويترز في 30 يوليو 2018 أن مصدر بالجيش الأمريكي قال : ” إن القوات الأمريكية بدأت في نشر طائرات مسيرة مسلحة في دولة النيجر الواقعة في غرب إفريقيا في وقت سابق هذا العام لمهاجمة متشددين إسلاميين” وقد منحت حكومة النيجر القوات الأمريكية في نوفمبر2018 إذناً بتسليح طائراتها بدون طيار , وكانت الطائرات الأمريكية بدون طيار تُستخدم قبل ذلك فقط للمراقبة , وقد توسع الوجود العسكري الأمريكي في النيجر في السنوات الأخيرة إلى قوة قوامها 800 فرد ترافق القوات النيجيرية في جمع المعلومات الاستخبارية وغيرها من المهام  مما يعكس مخاوف الولايات المتحدة بشأن تزايد التشدد في منطقة الساحل بغرب إفريقيا .

صرحت القيادة الأمريكية في إفريقيا في الأول من نوفمبر 2019  لإذاعة صوت أمريكا بأن القاعدة الجوية الجديدة التي بنتها الولايات المتحدة في أجاديز بشمال النيجر تعمل بكامل طاقتها حيث تقوم بأول رحلاتها الاستخبارية والمراقبة والاستطلاع بدون طيار هذا الأسبوع , وقال ستيفن تاونسند قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا : “نحن نعمل مع شركائنا الأفارقة والدوليين لمواجهة التهديدات الأمنية في غرب إفريقيا. إن بناء هذه القاعدة يدل على استثمارنا في شركائنا الأفارقة والمصالح الأمنية المتبادلة في المنطقة ” , وقالت القوات الجوية الأمريكية إن القاعدة الجوية التي تبلغ تكلفتها 110 ملايين دولار هي واحدة من أقسى المواقع التي يعمل منها الجيش , وتم الانتهاء من المنشأة التي يطلق عليها اسم القاعدة الجوية 201 في وقت سابق من هذا العام بعد عدة تأخيرات ناجمة جزئيًا عن تحديات العمل في صحراء نائية .

التعاون العسكري مع الإتحاد الأوروبي :

قالت وزارة خارجية النيجر في 4 ديسمبر2023 إن الحكومة سحبت تصريحها لمهمة الشراكة العسكرية للاتحاد الأوروبي في النيجر التي أُنشئت رسميًا في 12 ديسمبر 2022 بناءً على طلب السلطات النيجيرية ، كما ألغت موافقتها على بعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات المدنية EUCAP التي تم إنشاؤها في عام 2012 لمساعدة قوات الأمن في البلاد على محاربة ما يزعمون أنهم متشددون وتهديدات أخرى , وينتشر نحو 120 أوروبيا بشكل دائم في النيجر من خلال المهمة المدنية وفي اليوم السابق لإعلان المجلس العسكري  أنهاء صفقات الاتحاد الأوروبي التقى وفد روسي بقيادة نائب وزير الدفاع الروسي لونوس بيك إيفكوروف مع زعيم المجلس العسكري في النيجر عبد الرحمن تشياني ووزير الدولة للدفاع الوطني ساليفو مودي وعقد الجانبان المزيد من الاجتماعات في 4 ديسميبر 2023 وقالت وزارة الدفاع في النيجر في بيان أنه “في قلب المناقشات هناك تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الدفاع” ملمحة إلى أن المجلس العسكري قد يقيم علاقات رسمية مع موسكو التي ليس لديها حاليا سفارة أو سفارة أو أفراد عسكريون في النيجر , لكن إقتراب النيجر المؤثر والواقعي كان في إتجاه الولايات المتحدة التي لديها وجود عسكري كثيف بالنيجرخاصة الطائرات بلا طيار التي علمت بصفة مؤكدة ومباشرة وقتها وأبلغت القاهرة تفصيلاً  بأنها زرعت أو ركبت هوائيات موزعة علي الطريق من شرق النيجر مرورا بتشاد (فايا لارجو) وحتي الكفرة ثم العوينات لتكون في خدمة وتيسيير الإتصال بالطائرات التي بلا طيار وقاعدة إطلاق هذه الطائرات بالنيجر وكان من زرعها خبير أمريكي يعمل في مطار نيامي , وهذه الهوئيات تغطي مصر وليبيا ودارفور .

في 19 نوفمبر 2023 نفت القيادة العليا لقوة العمل المشتركة المتعددة الجنسيات  Multi-national Joint Task  أو MNJTF التي تحارب الإرهاب والعنف المتطرف في دول حوض بحيرة تشاد تقارير إعلامية تفيد بأن بعض المنظمات تزعم أن قوة جمهورية النيجر التي تشكل جزءًا من قوة العمل المشتركة قد انسحبت ووفقاً لقوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات فإن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة وأكد ذلك أيضاً المقدم أبو بكر عبد الله رئيس قسم الإعلام العسكري في نجامينا – تشاد , يُذكر أن نيجيريا لها دور بارز في قوة MNJTF ولا يُتوقع أن تستفزها النيجر بالإنسحاب من هذه القوة التي تعد أفريقية مع ملاحظة أن العسكريون الأمريكيون يواصلون العمل في منطقة حوض بحيرة تشاد ومنطقة الساحل وإجراء عمليات استخبارات ومراقبة واستطلاع محمولة جواً وتقديم الدعم للشركاء الأفارقة والأوروبيين الذين يقومون بعمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة بما في ذلك عن طريق تقديم المشورة والمساعدة والمرافقة لهذه القوات الشريكة ولا يزال هناك ما يقرب من 648 من الأفراد العسكريين الأمريكيين منتشرين في النيجر .

يُذكر إتصالاً بذلك أن اعلن في 15 ديسمبر 2023 أن آخرقوات ألمانية عاملة في مالي قد عادت إلى ديارها بعد أن أمرت الحكومة العسكرية المدعومة من روسيا هناك قوات حفظ السلام بالخروج وأخبرهم وزير الدفاع بوريس بيستوريوس أن مهمتهم لم تكن فاشلة , ويأتي ذلك بعد الإيقاف التدريجي للعملية وبعد أن أقامت الحكومة العسكرية في مالي علاقات وثيقة مع روسيا وطالبت في نهاية المطاف أولاً بمغادرة الجنود الفرنسيين ثم مغادرة جميع قوات حفظ السلام الدولية (عادت مجموعة تضم ما يزيد قليلا عن 300 جندي على متن طائرتي نقل يوم 8 ديسمبر 2023وقالت وزارة الدفاع الألمانية إن نحو 20 ألف جندي من الجيش الألماني خدموا في مالي على مر السنين) .

التعاون العسكري مع فرنسا تم تدميره :

صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 24 سبتمبر2023 أن فرنسا ستنهي وجودها العسكري في النيجر وتسحب سفيرها من البلاد بعد الإطاحة برئيسها المنتخب ديمقراطيا في انقلاب , وأشار في مقابلة مع تلفزيون فرانس-2 إنه أبلغ الرئيس المخلوع محمد بازوم أن “فرنسا قررت إعادة سفيرها وفي الساعات المقبلة سيعود سفيرنا وعدد من الدبلوماسيين إلى فرنسا وسننهي تعاوننا العسكري مع سلطات النيجر” وأضاف أنه سيتم سحب القوات تدريجيا ربما بحلول نهاية عام 2023 .

أعلن في 19 أكتوبر 2023 عن وصول أول قافلة برية فرنسية تنسحب من النيجر إلى تشاد  فنجامينا تعد موقع المقر العسكري الفرنسي لمنطقة الساحل بأكملها وينتشر بها حوالي 1000 جندي وقد وصلت القافلة الأولى إلى تشاد بعد أن سافرت براً في مركبات مدرعة تحت حراسة نيجيرية في رحلة امتدت لأكثر من 1600 كيلومتر وأوضح المتحدث باسم الأركان العامة الفرنسية الكولونيل بيير جوديليير لوكالة فرانس برس إن القافلة “وصلت دون أي مشاكل خاصة” إلى العاصمة التشادية نجامينا بعد تسعة أيام على الطريق ويتمركز ما يقرب من 1400 جندي في العاصمة نيامي وغرب النيجر وقد جلبوا معهم طائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار ومروحيات ومركبات مدرعة – بالإضافة إلى المعدات اللازمة لدعمهم وهذه هي المرة الثالثة خلال 18 شهرا التي يتم فيها إرسال قوات فرنسية إلى مستعمرة أفريقية سابقة مما يوجه ضربة قاسية لنفوذ فرنسا في القارة (هناك 4000 شركة فرنسية موجودة في أفريقيا توظف حوالي نصف مليون شخص وتضاعفت الاستثمارات الفرنسية المباشرة  خلال 15 عاما في أفريقيا لتصل إلى 54 مليار يورو عام 2022 ) وهيبتها على الساحة الدولية  .

أعلنت فرنسا في 22 ديسمبر 2023 أنها أغلقت سفارتها في نيامي بالنيجر لفترة غير محددة يبرز هذا الحدث أيضًا المسافة بين هاتين الدولتين اللتين كانتا تعانيان من توترات في العلاقات  منذالإنقلاب العسكري في26 يوليو 2023كما أن فرنسا أنهت انسحابها العسكري من النيجر استجابة لطلب المجلس العسكري وقد رافق الانسحاب العسكري إغلاق السفارة الفرنسية في نيامي وبشكل استثنائي لم يتم استخدام هذا الإجراء مع مالي وبوركينا فاسو وهما دولتان تقودهما أيضًا مجالس عسكرية واللتان العلاقات معهما متوترة أيضاً وقد أنهت فرنسا انسحابها العسكري من النيجر استجابة لطلب المجلس العسكري بالنيجر .

تزامن انسحاب فرنسا من منطقة الساحل مع زيادة النفوذ الروسي فقد تم توقيع اتفاق دفاعي في أوائل ديسمبر2023 بين المجلس العسكري الذي يحكم النيجر وموسكو وفي الوقت نفسه انتقد جنرالات النيجر اتفاقيات التعاون العسكري مع الاتحاد الأوروبي ومن جانبهما اقتربت مالي وبوركينا فاسو أيضًا من الروس من خلال الانفصال عن الغرب فلقد تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا الناطقة بالفرنسية وكان في تراجع تدريجي لسنوات عديدة  .

كذلك أقيم حفل نهائي في باماكو في 13 ديسمبر2023بمناسبة انتهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي  Minusma والتي نشأت بموجب  قرار مجلس الأمن رقم 2100 المؤرخ في 25أبريل  2013  لدعم العمليات السياسية في ذلك البلد وتنفيذ عدد من المهام ذات الصلة بالأمن , أنهت بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) رسميًا انتشارها الذي استمر عشر سنوات وتم إنزال علم الأمم المتحدة فوق مقر هذه البعثة قرب مطار باماكو خلال احتفال إيذانا بشكل رمزي بانتهاء المهمة رغم أن بعض عناصرها سيظلون في الموقع حتى نهاية عام2023 وبدأ انسحاب قوات حفظ السلام في أغسطس2023ويضع هذا الإغلاق نهاية لالتزام بدأ في عام 2013 في مواجهة انتشار العنف الذي هدد استقرار مالي الفقيرة والهشة وانتشرت منذ ذلك الحين إلى وسط البلاد وجيران بوركينا فاسو والنيجر في منطقة الساحل مما أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين من الأشخاص ورغم مرور سنوات عشر لم تفعل هذه البعثة شيئاً يُذكر , وقد بلغ قوام هذه البعثة حوالي 15 ألف جندي وضابط شرطة من العديد من البلدان وفي نهاية عام 2023 بلغ إجمالي القوى العاملة 10514 منهم 365 مدنيا و10149 ضابطا وجنديا  ولم يكن عملها مثاليًا  كما اعترف زعيمها القاسم وان لكنه أعتقد أن وجود البعثة ساعد في حماية العديد من السكان هناك فوفقاً لما صرح به أنه لعبوا دورًا مهمًا في تعزيز القدرات المحلية في مجال حقوق الإنسان (ساهم حوالي 27.500 جندي ألماني من قوات حفظ السلام في تحقيق الاستقرار في دولة مالي التي تعاني من أزمات أمنية متكررة و فقد ثلاثة جنود من الجيش الألماني حياتهم في مالي) .

كان المجلسان العسكريان الحاكمان في مالي والنيجر قد طالبا بخروج القوات الأجنبية من أراضيهما ,

إنهاء مجموعة الساحل الخماسة التي دعمتها فرنسا :

في تقديري أن إنهاء مجموعة الساحل الخماسية كان أوضح بيان علي الفشل الفرنسي في تحركاتها العسكرية والدبلوماسية في منطقتي الساحل والصحراء كما أنه كان بياناً للتحفز الأمريكي لملأ الفراغ العسكري الفرنسي حال حدوثه بالـقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM علي نحو ما سأشير له , وقد بذلت الدبلوماسية والعسكرية الفرنسية جهودا مُنسقة مع المانحين الدوليين وغيرهم للظفر بظهير محلي من جيوش دول الساحل الأفريقي يغطي المواجهة الفرنسية للجهاديين عسكرياً ودبلوماسياً وكذلك يغطي الأعباء المالية لصيانة الأمن والمصالح القومية لفرنسا , ولهذا الغرض مثلاً عُقدت في 13 ديسمبر 2017 قمة مُصغرة في Celle Saint-Cloud بالقرب من العاصمة الفرنسية ضم بجانب الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron رؤساء دول القوة الخماسية مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا (رفضت الجزائر الإنضمام لهذ ه الجهود) بهدف تسريع وضع القوة الخماسية موضع التنفيذ في ضوء إفتقاد التمويل اللازم والذي يُقدر حده الإدني آنئذ بنحو 250 مليون يورو , وقد أعلن الرئيس الفرنسي أمام هذه القمة عن تعهد السعودية بالمساهمة بنحو 100 مليون يورو وكذلك عن مساهمة  الإمارات بنحو 30 مليون يورو وفيما بعد ساهمت قطر بمنح القوة 35 عربة مُدرعة , وهو ما قد يفي بالإحتياج وفقاً للرئيس الفرنسي وقتئذعلي إعتبار أن مساهمتي الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ستسد الفجوة التمويلية المُتبقية , وقدرت الأوساط المعنية الفرنسية أن الإتحاد الأوروبي سيمكنه التعهد بمبلغ يتراوح ما بين 50 إلي 80 مليون يورو , ثم واصلت فرنسا جهودها من أجل أن تقف قوة الساحل الخماسية علي أقدامها فعقدت في 15 يناير 2018 إجتماعاً وزارياً في باريس ضم وزراء دفاع ورؤساء أركان دول قوة الساحل الخمس إستقبلهم وزيرة الدفاع الفرنسية (التي قامت بزيارة مالي في مستهل 2018) وحضر هذا الإجتماع ممثلي 8 دول مساهمة و3 منظمات هي الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي , ومما قالته وزيرة دفاع فرنسا فيه ” إن الهدف (من الإجتماع) هو الخروج بخارطة طريق وجدول زمني بالعمليات خاصة في المنطقة التي تلتقي عندها حدود النيجر ومالي وبوركينافاسو” , وأستمرت فرنسا في ب ذل جهودها الدبلوماسية من أجل عقد مؤتمر دولي عن الساحل لدعم تمويل إقامة القوة الخماسية و ذلك في بروكسل في 23 فبراير 2018 هو مؤتمر للمانحين, وكان واضحاً من الهيئة التنظيمية لإجتماع باريس الذي ضم وزراء الدفاع ورؤساء الأركان و8 دول مساهمة أن مشكلة التمويل ماتزال تمثل العقبة الرئيسية التي تُؤرق فرنسا التي يبدو أنها تعمل علي وضع القوة موضع التنفيذ بأسرع ما يمكنها لتخفيف العبء العسكري من علي كاهلها في شمال مالي ولمآرب أخري ليس أقلها  التدويل العسكري لمنطقتي الساحل والصحراء ولجعل مفهوم تموضعها العسكري في شمال مالي وكأنه مساو في معناه فقط وليس في أغراضه لما سيكون عليه وضع القوة الخماسية للساحل أي ليبدو الوجود العسكري الفرنسي مع القوة الخماسية وكأنه “تعاون” وليس إختراقاً وتدخلاً عسكرياً أجنبيا , ومع ذلك ففرنس لا تشعر بالحرج من وصفها بأنها قوة إحتلال أو تدخل قسري في هذه المنطقة فساستها وإعلامها لديه أصباغ متنوعة لتلوين ولتسويغ بعض المعاني البعيدة عن الحقيقة والمنطق , كذلك  عُقد ” المؤتمر الدولي رفيع المستوي بشأن الساحل ” في بروكسل في 23 فبراير 2018 وذلك قبل يوم من قمة رؤساء الدول والحكومات المعنية بالموقف في الساحل , من أجل التعبئة السياسية والدعم المالي لإنشاء قوة الساحل الخماسية G5 Sahel حيث إجتمع نحو 50 من رؤساء دول وحكومات وكبار المسئولين يمثلون الدول الخمس التي تتشكل منها هذه القوة ودول الإتحاد الأوروبي ومسئولين كبار عن الولايات المتحدة واليابان والمغرب ودول أخري وممثل عن كل من الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي , ونتج عن هذا المؤتمر دفعة مالية للأمام لعملية تدبير التمويل اللازم للقوة , وأعلنت المفوضية الأوروبية في بيانها الصحفي بتاريخ 23 فبراير 2018 أن النتائج الرئيسية للمؤتمر رفيع المستوي هي أنها :

1- عززت الدعم السياسي لمنطقة الساحل وأن دعماً هاماً أُعطي لعملية السلام بمالي وأن هؤلاء ممن يهددون هذه العملية يمكن أن يُواجهوا بعقوبات .

2- زادت العون المالي للأمن حيث ضاعف الإتحاد الأوروبي من تمويله للقوة الخماسية للساحل لنحو 100 مليون يورو بهدف تحسين الأمن الإقليمي ومحاربة الإرهاب , وأن الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء به ساهموا معاً بنصف الدعم الدولي للقوة الخماسية , وهذا التمويل الجديد يفي تماماً بإحتياجات القوة ويقدم الوسائل بغية تحسين الظروف الأمنية بالمنطقة .

3- لتنسيق أفضل لجهود التنمية , فمن خلال رصد مبلغ 6 بليون يورو لعون التنمية علي مدي الفترة من 2014 حتي 2020 يكون الإتحاد الأوروبي قد أصبح المانح الأكبر للدول الخمس المُكونة لقوة الساحل G5 Sahel وبذلك يلعب الإتحاد الأوروبي دوراً رائداً في ” التحالف من أجل الساحل ” الذي بدأ في يوليو 2017 , وهذا التحالف عبارة عن مبادرة تهدف إلي تنسيق وتسليم العون بسرعة وكفاءة أكثر للمناطق الأكثر هشاشة وهو تحالف مفتوح أمام كل الشركاء بالمجتمع الدولي .

في مايو 2022 أعلنت مالي رسمياً في بيان انسحابها من مجموعة دول الساحل الخمس ومن قوّتها العسكرية الخماسية G 5 Sahel لمكافحة الجهاديين احتجاجا على رفض توليها رئاسة هذه المنظمة الإقليمية التي تضم موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر, وهناك شك في أن ذلك ليس هو السبب الحقيقي فالسبب واضح عدم رغبة القيادة العسكرية الجديدة التي تحكم مالي ولا شعب مالي براغب في وجود عسكري فرنسي طالما تشبث بمالي كتئة للإنتشار العسكري في ربوع دول الساحل والصحراء , وبخروج فرنسا العسكري من مالي أصبح أشكال التواجد العسكري في باقي دول الساحل والصحراء سواء أكانت إتفاقيات عسكرية / أمنية أو عدد محدود من المستشارين العسكريين في مهب رياح التغيير خاصة وأن بوركينا فاسوهي الأخري كمالي وأفريقيا الوسطي تتعاقد مع مرتزقة روس في الظل لمحاربة ما يحلو لهم وصفه بالتمرد الجهادي عبر منطقة الساحل ، كان الجيران يخشون من أن التمرد الجهادي قد ينتشر أكثر من بوركينا فاسو إلى الدول المجاورة الساحلية بما في ذلك ساحل العاج وغانا وتوجو وبنين فيما نيجيريا تقاتل بالفعل وباستمرار بوكو حرام والجماعات المسلحة الأخرى , فوفقًا لعدة تقارير إعلامية زُعم أن بوركينا فاسو قد أبرمت اتفاقًا مع مجموعة فاجنر الروسية حيث ستساعد هذه الشركة امُتخصصة في توريد المُرتزقة المرتزقة بوركينافاسوعلى التعامل مع تصاعد العنف الجهادي المزعوم مقابل نفوذ إقتصادي روسي  فقد قامت روسيا ، خلال العقدين الماضيين من زيادة نفوذها الاقتصادي ومحاربة الميول الاستعمارية الجديدة الفرنسية بمقايضة المعدات العسكرية للوصول الكامل إلى الموارد المعدنية في جمهورية إفريقيا الوسطى وغينيا ومالي وتشاد وهناك حالات مماثلة في السودان وليبيا , فقبل وقت طويل من بدء قمة القادة الأمريكية الأفريقية ، أشارت التقارير إلى أن عددًا من القادة الأفارقة لن يكونوا في واشنطن وأوضح البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يدع السودان وغينيا ومالي وبوركينا فاسو لأنهم معلقون حاليًا من قبل الاتحاد الأفريقي بعد الانقلابات والانقلابات المضادة في غرب إفريقيا هذه البلدان ليست في وضع جيد مع الاتحاد الأفريقي لذلك لم تتم دعوتها , وقدووصف هذا التجمع بأنه معلم تاريخي لا رجوع فيه ، إلا أنه جمع 49 من القادة الأفارقة + الاتحاد الأفريقي أدلى رئيس غانا نانا أكوفو أدو بادعاء حقيقي بشأن جارتها بوركينا فاسو خلال زيارته لقمة القادة الأمريكية الإفريقية ، خلال مناقشات الفريق حول السلام والأمن والحكم في واشنطن في ديسمبر2022 , ففي حديثه عن العنف المتزايد المرتبط بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في منطقة غرب إفريقيا قال أكوفو-أدو إن بوركينا فاسو خصصت منجمًا لمجموعة فاجنر كشكل من أشكال الدفع لنشر مقاتلين في البلاد وصرح الرئيس السابق للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) والزعيم الغاني نانا أكوفو-أدو في القمة قائلاً: “إن عمل (فاجنر) على حدودنا الشمالية أمر محزن بشكل خاص بالنسبة لنا في غانا” , أضاف نانا أكوفو-أدو كذ:”دخلت بوركينا فاسو الآن في ترتيب لتتماشى مع مالي في توظيف قوات فاجنر هناك ، وأن بوركينا فاسو قد تخلت عن منجم ويُقال أنه يحتوي على احتياطيات من الذهب ، بالقرب من الحدود مع غانا مقابل خدمات المجموعة لـ التعامل مع التمرد المسلح الذي بدأ في عام 2015 في الأسابيع الأخيرة ، عبر مئات الأشخاص الفارين من هجمات المتشددين في بوركينا فاسو الحدود إلى شمال غانا  .

في 2 ديسمبر2023أعلنت بوركينا فاسو والنيجر أنهما تركتا جميع هيئات مجموعة الساحل الخمس وهي إطار مؤسسي للتنسيق والتعاون الإقليمي في شؤون سياسات التنمية و الأمن وممولة إلى حد كبير من قبل الاتحاد الأوروبي،تم إنشاؤها في  19 ديسمبر 2014 , فبعد مالي أعلنت بوركينا فاسو والنيجر انسحابهما من القوة – التي زعمت فرنسا لتبرير تدخلها العسكري في الساحل عموماً وفي مالي وبوركينافاسو والنيجر خاصة – أنها مناهضة للجهاديين – ويعد هذا الرحيل مثالا جديدا على التحول “السيادي” الذي تطالب به الدول الثلاث التي وقعت في سبتمبر 2023على اتفاق الدفاع المشترك لتحالف دول الساحل مما يعزز الشراكة بين جيوشها كما أنه يمثل ذلك مرحلة جديدة في القطيعة مع الشركاء الغربيين السابقين وخاصة فرنسا الملتزمة منذ البداية بمجموعة الخمس في الساحل , إن الإتفاق الثلاثي الذي وُقع في 16 سبتمبر2023 بين بوركينافاسو ومالي والنيجر وينص علي : ” أي اعتداء على سيادة وسلامة أراضي طرف أو أكثر من الأطراف المتعاقدة سيعتبر اعتداء على الأطراف الأخرى” يعني أن إتفاقات الدفاع التي وقعتها فرنسا مع الدول الثلاث أصبحت بلا فاعلية كما أن هذا الإتفاق الثلاثي ينتقص من فاعلية التجمع الإقتصادي لغرب أفريقيا “إيكواس” , وبالتالي فإن تصرف 3 دول أعضاء بهذا التجمع علي هذا النحو يعد خطوة علي طريق هدم هذا التجمع مستقبلاً , فالإجراءات المعادية لفرنسا التي إتخذتها علي نحو أو آخر سلطات الإنقلابات العسكرية الثلاث في مالي وبوركينافاسو والنيجر تعبر وتكشف كراهية عميقة من العسكرين القابضين علي السلطة في الدول الثلاث نحو العسكرية الفرنسية ولفرنسا نفسها كدولة إستعمارية وهذه الكراهية قد ترسبت في نفوس الكثير من القادة العسكريين في هذه الدول الثلاث وغيرها في غرب ووسط أفريقيا لأسباب كثيرة منها علاقات فرنسا الفوقية مع الرؤساء الأفارقة وتعاملها مع العسكريين الأفارقة وكأنهم تابعين للقادة العسكريين الفرنسيين .

وفي عام 2017 استحوذت مجموعة الساحل الخمس على قوة عسكرية مشتركة بين الدول الخمس ممولة إلى حد كبير من قبل شركاء دوليين وخاصة الاتحاد الأوروبي وتتألف هذه القوة من خمس كتائب تضم كل منها 750 رجلاً – كتيبة واحدة لكل دولة – ويجب أن تدعم في البداية قوات برخان وبعثة الأمم المتحدة في مالي المنتشرة بالفعل على الأرض، بهدف استبدالها في نهاية المطاف , ويقول تييري فيركولون الباحث المشارك في مركز أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التابع للمعهد الفرنسي للعلاقات : “كان المنظور في ذلك الوقت هو تمكين جيوش المنطقة وتنسيقها بحيث تقود بنفسها المعركة ضد الجهاديين ولقد تطلب هذا المشروع ثقة قوية بين الشركاء الأمر الذي لم يتحقق أبدًا” , وقد بدأ إطلاق القوة المشتركة لمجموعة الخمس في الساحل على الفور تحت رعاية سيئة ثم وبعد ثلاثة أيام فقط من إضفاء الطابع الرسمي على إنشائها ــ خلال اجتماع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظرائه من منطقة الساحل في موريتانيا ــ تم تدمير مقر القوة المشتركة، المتمركز في مالي خلال هجوم إرهابي مما تسبب في مقتل العديد من الأشخاص ثم أطيح بقائدها العام المالي ديدييه داكو لصالح الموريتاني حنان ولد سيدي  لتنتقل القوة من سيفاري إلى باماكو .

وعلى أرض الواقع أدي التعاون بين الوحدات في بعض الأحيان إلى توترات عسكرية وسياسية يتذكر نيجالي باجايوكو المتخصص في السياسات الأمنية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ورئيس شبكة قطاع الأمن الأفريقي (ASSN) أنه “على الرغم من اتحادها داخل نفس القوة إلا أن جميع الدول ليس لديها نفس الأولويات في الحرب ضد الإرهاب”. “تشادعلى سبيل المثال تشعر بقلق أكبر بشأن هجمات بوكو حرام على حدودها مع نيجيريا أكثر من قلقها بشأن التقدم الإضافي للجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية” , كما أن صعوبات عملياتية و التوترات بين دول الساحل الخمس والشركاء الأجانب أدت لإرتباك شديد في عمل هذه القوة ومع الاعتقاد بأن التعهدات بتقديم التبرعات التمويلية بطيئة في التنفيذ فبعد عامين تقريبا من إنشائها تم دفع أقل من نصف المبلغ الذي وعد به المجتمع الدولي وهو 418 مليون يورو وفقا للأمم المتحدة وعلى الأرض وعلى الرغم من وجود قوات برخان إستمر الوضع الأمني ​​في التدهور لا سيما في ما يسمى بمنطقة “الحدود الثلاثة”بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو وكان الفرنسيون ينتقدون العديد من أعضاء القوة و”الافتقار إلى التضامن” من جانب المجتمع الدولي وهناك عقبة أخرى تتمثل في خوف بعض الدول من رؤية عسكريين أجانب يتدخلون في شؤونها الداخلية ويواصل الخبير قائلاً :

“إن نطاق عمل الوحدات أدى إلى مناقشات صعبة أدت إلى تباطؤ العمل على الأرض فقد كانت تصرفات القوة تقتصر في أغلب الأحيان على مراقبة الحدود وفشلت في تنفيذ عمليات حقيقية واسعة النطاق لمكافحة الإرهاب باستثناء برخان وهي العملية العسكرية التي أري أنها كانت وحشية وغير خاضعة لأي مراقبة ولا محاسبة وفشلت في النهاية كبعثة الأمم المتحدة وقوة الساحل الخماسية , إن فرنسا أصبحت لا تخجل من أفعالها الدموية التي تقترفها عسكريتها حتي في المناطق التي توجد بها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار بمالي (MINUSMA)فقد انتقد قائد القوات المسلحة الفرنسية الجنرالFrancois Lecointre في مقابلة مع صحيفة  Le Figaro الفرنسية في 22 مايو 2021 تقريرا للأمم المتحدة عن الضربات الجوية في مالي التي أسفرت عن مقتل 19 مدنيا وقال إن هذا التقرير منحاز لنزع الشرعية عن عمليات قوة Barkhane التي تقودها فرنسا هناك , وأنه “من الواضح جدا أن هذا (التقرير) يشمل هجوما على الجيش الفرنسي وعملية Barkhane وعلى شرعية ارتباطاتنا , وأن تقرير الأمم المتحدة الذي نُشر في مارس بشأن الضربة الجوية في 3 يناير2021 وتضمن الإشارة إلي أن القوات الفرنسية قتلت 19 مدنيا خلال احتفالات زفاف بالقرب من قرية Bounti بوسط مالي احتوى على “أخطاء” و “انحياز” وأضاف هذا القاتل قوله “إن انتقادات الأمم المتحدة ضربة للمهمة التي تقودها فرنسا لتحقيق الاستقرار في مالي التي مزقتها النزاعات حيث فقد الآلاف من الأرواح ونزح المئات والآلاف بسبب عنف الجهاديين منذ عام 2012, وعبر عن إعتقاده بأنهم سيواجهون في المستقبل بشكل منهجي هذا النوع من المحاولات التي تسعى إلى إعاقة عملنا وتشويه سمعتنا (بإفتراض أن لهم سمعة قد تبقت من مجازرهم في حرب التحرير الجزائرية والتوتسي في رواندا وغيرهما كثير) ونزع الشرعية عن عملنا ووضع السكان المحليين ضد عملنا ” , ولم يكن مدهشأ أن تعلن وزارة الدفاع الفرنسية والجيش الفرنسي دعمهما لهذه الترهات التي نطق بها المدعوFrancois Lecointre لكن الغريب أن حكومة مالي هي الأخري دعمت رواية الجيش عن أن الهجوم كان يستهدف الجهاديين , وللتعرف علي درجة الكذب في كلام هذا الجنرال أسوق تصريحات أدلي بها Ben Rhodes مستشار الرئيس الأمريكي الاسبق Barack Obama نشرها موقع MAGHREB ONLINE في 31 مايو 2021 أعرب فيها عن مخاوفه بشأن السياسة الخارجية الأمريكية والبريطانية في معالجة الإرهاب بالصراع في الخارج خلال العشرين عامًا الماضية وما سيحدث لاحقًا , حيث أوضح قوله : ” عملت في البيت الأبيض لمدة 8 سنوات في عهد الرئيس Obama وخلال ذلك الوقت ، أصبحت على دراية تقشعر لها الأبدان بالطرق التي تعلمتها أمريكا لقتل الناس منذ 11 سبتمبر2001 والتي امتدت إلى عدة دول مع حروب تقليدية في العراق وأفغانستان ومزيج من الطائرات بدون طيار والعمليات الخاصة والقوة الجوية من جنوب آسيا إلى شمال إفريقيا , وأشار السيد  Benأنه بعد هجوم بصاروخ cruise في اليمن تم رصده من خلال الصور الجوية استخدم أحد الجنرالات الأمريكيين مصطلحًا للإشارة إلى الصور الصغيرة للأشخاص الفارين من مكان الانفجار فقال : “القاذورات” , وهذه الكلمة مازالت عالقة في رأسي .

ظلت الولايات المتحدة لا تثق ولا تتعمل مع القوة الخماسية كأنها أداة فعالة وإتضحت عدم ثقة الولايات المتحدة في كفاءة قوة G 5 Sahel من محدودية قدرة هذه القوة علي تغيير الموقف الأمني والعسكري في الساحل بوجه عام , مما أكد – في تقديري-  عدم رغبة الولايات المتحدة في المساهمة في جهد تراه خارجاً عن نطاق ما هو مُخطط لقيادتها العسكرية في أفريقيا AFRICOM خاصة وأن الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 أنشأ رئيسها George W. Bush لأول مرة قوة المهام المشتركة المشتركة بالقرن الأفريقي (CJTF-HOA) التي عملت منذ عام 2003 انطلاقاً من معسكر Lemonnier بجيبوتي دون أن تربطها بالأمم المتحدة , لذلك في إعتقادي أن الموقف الامريكي بالطبع لم يكن مُوجهاً ضد القوة الخماسية في حد ذاتها لكنه موقف مُؤسس علي السلوك السياسي الأمريكي القائم علي ترك مسافة ما بين الموقفين الأمريكي والفرنسي في منطقة الساحل ليتأكد الفرنسيين من أن الموقف الأمريكي ليس موقفاً مُتماهياً مع موقفهم  أو علي الأقل ليس مُتطابقاً بالضرورة معه , كما أن الولايات المتحدة وتحديدأً إدارة الرئيس Trump وضعت قاعدة مؤداها التخفيف من المساهمات الأمريكية في قوات حفظ السلام الأممية خاصة إن تعلقت مهام حفظ السلام تلك بأفريقيا , ذلك أن الولايات المتحدة تحتفظ بتقرير أمر المساهمة في عمليات حفظ السلام بأفريقيا من خلال قادة قيادتها العسكرية لأفريقيا AFRICOM بحيث تحقق هذه المساهمات – إن تقررت – وزناً إستثنائياً وإضافة للعلاقات الثنائية ما بين AFRICOM والدول الأفريقية , خاصة بعد الإهانة التي تلقتها الدول الأفريقية جميعاً من الرئيس الأمريكي Donald Trump والتي قال سفير غينيا الإستوائية Anatolio Ndong Mba رئيس المجموعة الأفريقية بالأمم المتحدة بشأنها بعد الإجتماع المُغلق الذي طلبته السفيرة Nikki Haley مع المجموعة الأفريقية ” أنه لا يتوقع أن إعتذاراً عن هذه الإهانة سيصدر ” ثم أضاف “ربما سيكون هناك إعتذار من الرئيس Trump للقادة الأفارقة في قمتهم بإثيوبيا في 28 يناير 2018″ .

كان هناك رفض الأمريكي لإنشاء مكتب دعم للأمم المتحدة للقوة الخماسية للساحل G 5 Sahel يُمول من ميزانية عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة وهو إقتراح فرنسي أو مدعوم من فرنسا علي الأقل وهذا الرفض لم يأت من فراغ فهناك أسباب أمريكية دعت إلي عدم التجاوب مع التخطيط العسكري الفرنسي في الساحل منها مثلاً أن الولايات المُتحدة في الوقت الذي كانت فيه فرنسا ماضية نحو إرساء قوة الساحل الخماسية كان وزير الدفاع الأمريكي Mark Esper وفقاً لما أعلنته Alyssa Farah المُتحدثة باسم الـ Pentagon قد أصدر قرار بخفض قواته بأفريقيا , يُضاف إلي هذا أن الولايات المتحدة أو العسكرية الأمريكية تحديداً تنظر إلي النجاح النسبي لفرنسا في إقامة قوة الساحل الخماسية بنظرة تنافسية خاصة مع فشل الجهود الأمريكية لإنشاء تحالف عربي علي غرار الـ NATO في الشرق الأوسط التي تغطيها القيادة الأمريكية العسكرية الوسطي USCENTCOM والذي من أجل تحقيقه نظمت في Warsaw بمشاركة بولندا مؤتمراً حضره 70 من قادة ومسئولي الدول لتشكيل تحالف مُضاد لإيران والإرهاب والتطرف أوArab Middle East Strategic Alliance (MESA)  بقيادة مصر والسعودية لمواجهة إيران , لكن الانقسامات والصراعات السياسية في المنطقة أدت إلي خفض احتمالية قيام هذا التحالف , ومن المفارقات أن هذا المفهوم نفسه نشأ خلال عهد الرئيس  Obama حيث كانت هناك محاولة لتشكيل تحالف مماثل من خلال قوات جامعة الدول العربية الموجودة بالفعل وباءت هذه المحاولة بالفشل .

إن قوة الساحل الخماسية لم تكن ولن تكون إلا أداة في يد فرنسا والغرب للعمل من وراءها لتحقيق مصالحهم المُتمثلة في نهب شعوب منطقتي الساحل والصحراء ومع ذلك فقد تسبب مستقبل القوة المشتركة لمجموعة الخمس في الساحل في خلق توترات حادة بين هيئات الاتحاد الأوروبي المتنافسة خلال الأشهر القليلة الماضية السابقة علي حل هذه القوة الأداة لكن الخلاف عاد إلى الظهور بشكل آخرعندما أعلنت بوركينا فاسو والنيجر انسحابهما من المنظمة مما أدى إلى حلها في 6 ديسمبر2023 أما النيجر فقد أنشأ المجلس العسكري فيها آلة دعائية لحشد الدعم بين السكان في مواجهة العداء من الغرب وكتلة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ولتحقيق ذلك أقامت تحالفات مع شخصيات معادية لفرنسا وللمنظمة الإقليمية  .

في هذا السياق أيضاً أعتقد أن تدهور العلاقات بين فرنسا ومالي بسبب الانقلاب المزدوج – في أغسطس 2020 ثم في مايو 2021-  شكل نقطة تحول بالنسبة للقوة المشتركة لمجموعة الخمس في الساحل وفي 15 مايو 2022  أغلقت مالي باب المنظمة احتجاجا على رفض “بعض دول الساحل الخمس الكبرى” تولي الرئاسة الدورية للمنظمة والتي كان ينبغي أن تذهب إليها وفي بيان صحفي انتقدت “مناورات دولة من خارج المنطقة” – فرنسا ضمناً – “التي تهدف بشدة إلى عزل مالي”وعلى المنوال نفسه  أشارت بوركينا فاسو والنيجر في بيانهما الصحفي الصادر في الأول من ديسمبر2023والذي أعلنا فيه انسحابهما من المنظمة إلى أن مجموعة الساحل الخمس يجب ألا “تخدم المصالح  لقد أثبتت مجموعة الساحل الخمس عدم فعاليتها ولم تكن قوتها المشتركة قط فعالة بشكل حقيقي في الحرب ضد الإرهاب الأجنبية على حساب مصالح شعوب الساحل .

يدعي الغرب أن انسحاب القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة سيحرم جيوش النيجر ومالي وبوركينا فاسو من القدرات والمعدات الاستخباراتية المهمة وأنه من المرجح أن يتسع الفراغ الأمني مع إعطاء قادة الانقلاب الأولوية لأمن عواصمهم ومدنهم الكبرى على حساب المناطق الريفية التي تعاني من نقص الحكم وأن هذا سيمثل فرصة للجهاديين وغيرهم من الجماعات المسلحة لتوسيع عملياتهم أو زيادة وتيرة هجماتهم مما قد يؤدي إلى التعدي على مناطق أبعد في غرب أفريقيا الساحلية والواقع أن فرنسا وأوروبا كانا يستغلان تدخلهما العسكري في دول الساحل تحت ذريعة محاربة الأرهاب المزعوم وحتي هذا الزعم ظل الإتحاد الأوروبي وفرنسا معاً يدعيان مواجهته بلا نتيجة ملموسة لعشر سنوات وأكثر لكنها ظلا يرددان هذه الإسطوانة المشروخة بلا ملل (لم تُرضِ مبادرة مجموعة الخمس في الساحل الأمريكيين قط فهي لم تأت منهم وشاهدوا مع الآخرين تورط فرنسا فيها وهي تتوسل للحصول على إعانات من دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية)  , وفي الواقع أن الوجود العسكري الفرنسي منذ أن حل بالنيجر ومالي وبوركينا لم يفعل شيئاً بإعتراف العسكريين الفرنسيين والغربيين وأن معدلات الفقر زادت لكن بسبب شروط التبادل التجاري المعيبة والفاسدة الخاسرة من القوة الإستعمارية السابقة لهذه الدول وغيرها وبسبب دورات الجفاف وزحف التصحر والعمليات الديموقراطية المعيبة التي تدعمها فرنسا والولايات المتحدة والصين وروسيا والإتحاد الأوروبي ككل والدول الأوروبية علي المستوي الثنائي .

إن إستعانة فرنسا بقوة الساحل الخماسية كان له هدفين أساسيين في تقدري :

1- التذرع أمام المجتمع الدولي بأن دول الساحل والصحراء نفسها هي التي تقود عملية مواجهة الإرهابيين المزعومين وفرنسا لم تجد بداً لمساعدة هذه الدول عسكرياً بعملية Barkhane  وما هي في الواقع إلا إمتداد لعملية عسكرية سبقتها سُميت بعملية Serval التي بدأت في 11 يناير 2012 وأنتهت في 15 يوليو 2014 تحت تحت غطاء قرار لمجلس الأمن الدولي برقم  2085 بتاريخ 20 ديسمبر 2012 بدعوي محاربة المُقاتلين الإسلاميين في الساحل لتتبعها عملية Barkhane   اللتان لم تخضعا لأي رقابة من الأمم المتحدة رغم أنهما عملا بالزامن مع قواتن حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة  في مالي MINUSMA ,

2- حماية قوة Barkhane الفرنسية بتوفير غطاء حمائي عسكري لها من قوات الجيوش المخلية والحفاظ علي حياة اكثر من 3 الآف جندي يشكلون قوامها الأساسي , وهذا هو أحد أسباب تذمر الجيوش المحلية من الوجود العسكري الفرنسي الذي كلف الجيوش المحلية حياة الكثير من جنودها في حين ذهب الدخل المالي لبعض جيوب القادة المحليين , وإعتبارًا من عام 2015 تضاعفت الهجمات على القوات المالية والأجنبية والأماكن التي يرتادها أجانب وقد استخدمت فيها عبوات يدوية الصنع، كما نفذ جهاديون هجمات خاطفة على دراجات نارية وغيرها , ورغم إعلان الرئيس الفرنسي في أعلن الجيش الفرنسي، الأربعاء ، أنّ حوالي 3 آلاف من عسكرييه سيظلّون منتشرين في منطقة الساحل، وذلك بعد يومين من إنجاز انسحابه من مالي التي اتّهمت قوة برخان الفرنسية لمكافحة المسلحين بارتكاب “أعمال عدوانية” على أراضيها , وقالت رئاسة الأركان الفرنسية إنّه “في إطار إعادة تنظيم عملية برخان خارج مالي ، سيبقى نحو 3 آلاف جندي في منطقة الساحل وسيؤدّون مهامهم من قواعد موجودة في النيجر وتشاد ، إلى جانب شركائنا الأفارقة : شراكة عسكرية قتالية وشراكة عسكرية تشغيلية وعمليات لوجستية” , وأوضح المتحدّث باسم رئاسة الأركان الكولونيل بيير جوديير أنّ “نهاية وجود العسكريين الفرنسيين ضمن عملية برخان في مالي لا يمثّل نهاية عملية برخان. تحوّل عملية برخان أعمق بكثير من هذا الانسحاب من مالي” ومن الطبيعي أن تقاوم العسكرية والدبلوماسية الفرنسيتين إنحسار النفوذ العسكري الفرنسي بالساحل وكأنه إمتداد للعنة الرئيس الغيني أحمد سيكوتوري عندما رفض عام 1960 الخيار الذي طرحة الرئيس الفرنسي إستعماري النزعة ديجول بين أن تنضم غينيا لكتلة الفرانكفون أوأن تذهب لجحيم الإستقال فأختار سيكوتوري الإستقلال , لذا نجد تصريحاً لرئيس هيئة الأركان الفرنسية الجنرال Francois Lecointre  لصحيفة Le Monde الفرنسية في ديسمبر 2020 خلال زيارته لمالي يقول فيه بأنه “يهدف إلى “الحد” من عدد القوات هناك في أقرب وقت ممكن” , مُوضحاً ” أن فرنسا لن تنسحب من الساحل لكنها ستجعل عمليتها “تتطور” , وهو ما كررته وزيرة الدفاع Florence Parly في مقابلة مع صحيفة Le Parisien في 3يناير 2021 بقولها “أن فرنسا ستخفض “على الأرجح” قواتها البالغ عددها 5100 جندي في عملية Operation Barkhane بشمالي مالي ومناطق أخري بعد “نجاحات عسكرية كبيرة” في عام 2020″ وهو نفس المنطق الدعائي الذي إلتزمه وزير الخارجية الفرنسية في حديث له لإذاعة فرنسا حيث ردد نفس الكذبة فقال : ” إننا نحقق تقدمًا في مالي حيث نكافح من أجل ضمان أمننا وأمن البلدان الأخرى” , لكنهما ولا مصادر فرنسية أخري معنية أفصحوا عن رقم محدد للتخفيض المُزمع , كما لم تُوضح السيدة Parly نوعية النجاحات التي حققوها , وكانت أهم وأوضح هذه العبارات تلك التي صرح بها مصدر غير مُسمي بمكتب الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron ونشرها موقع The Defence Post بتاريخ 22 ديسمبر 2020 حيث قال : ” قد تدعم فرنسا المحادثات مع بعض العناصر الجهادية في منطقة الساحل المضطربة في أفريقيا ، وسيكون الحوار مع بعض عناصر مجموعة دعم الإسلام والمسلمين (GSIM) “ممكنًا .

وكانت وكالة Associated Press قد أشارت في 9 يونيو 2017 إلي أن فرنسا طلبت عبر سفيرها لدي الأمم المتحدة Francois Delattr موافقة مجلس الأمن الدولي بالترخيص لقوة الساحل الخماسية التي قال إنها “أفضل وسيلة لمحاربة التطرف في المنطقة” , وبالفعل قامت البعثة الفرنسية في 9 يونيو بتعميم مشروع قرار بهذا المعني علي أعضاء مجلس الأمن علي أن يكون التصويت عليه بعد أسبوع , لكن مسئولاً أمريكياً طلب إغفال اسمه أشار وفقاً لوكالة  Associated Press إلي أنه : ” بينما تدعم إدارة الرئيسTrump  إنشاء هذه القوة من الوجهة المبدئية بإعتبارها نموذجاً مُحتملاً للجهود الأفريقية لمحاربة الإرهاب , فإن الإدارة لا تعتقد أن قرار مجلس الأمن في هذا الشأن ضروري من الوجهة القانونية لتمركز هذه القوة , فقوة الساحل الخماسية يجب أن تعمل بدون موافقة من الأمم المتحدة شأنها شأن القوة التي تعمل في حوض بحيرة تشاد لمحاربة Boko Haram , إذ ليس هناك ثمة سبب مُقنع لإعطاءها ترخيصاً من الأمم المتحدة تحت الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة ” , لكن منذ إنقلاب مارس 2012 لم تهب الرياح في مصلحة أهداف فرنسا لإقادة مالي أصبحوا علي وعي تام بأن فرنسا تلوي الحقائق في بلادهم وتقسم البلاد بين من تدعي أنهم وطنيون وهم في الغالب الروساء المدنيين الذين تنتقيهم ومتمردين أو “جهاديين” وهم في نظر فرنسا فاقدي الوطنية , وبدا للعامة أن رفض وجهة نظرالرئيس المُطاح به Amado Tomani Toure في ضرورة التفاوض أو علي الأقل الحوار مع الجماعات المناوئة للوجود الفرنسي صحيحة ولذلك صرح Moctar Ouane رئيس وزراء مالي المُؤقت الذي نُشر في 26 أكتوبر 2020 وقال ” إنني منفتح على محادثات مع متشددين إسلاميين الذين جعل تمردهم مناطق شاسعة من البلاد غير قابلة للحكم ” مُوضحاً أن : ” استنتاجات المحادثات الوطنية الشاملة أشارت بوضوح شديد إلى ضرورة عرض الحوار مع هذه الجماعات المسلحة ” , ومن الطبيعي أن تقاوم فرنسا هذا النهج فمثلاً صرح السيد Jean-Marie Bockel وهو سياسي فرنسي حالياً ووزير دفاع فرنسا الأسبق عام 2008 يري أن التفاوض مع الجهاديين خطأ مأساوي وقاتل لن يفيد وسيفسد كل الجهود والتضحيات , ولذلك عند ذلك التصريح  لرئيس وزراء مالي المُؤقت Moctar Ouane تيقن الفرنسيين أن الأمور تغيرت في مالي وبالتالي في معظم فضاءات دول الساحل والصحراء   .

إن الإتحاد الأوروبي كفرنسا والولايات المتحدة وروسيا التي بدورها تستغل حالة عدم الاستقرار وتتحرك لزيادة نفوذها في القارة الأفريقية فمثلاً في عام 2018 انتقلت مجموعة فاجنر إلى جمهورية أفريقيا الوسطى والصين التي لديها تاريخ طويل من عدم النظر إلى الانقلابات في أفريقيا باعتبارها تهديداً لمصالحها فاليوم تواصل محاولة بناء نفوذها من خلال المجالس العسكرية الجديدة وحماية مصالحها في إطار مبادرة الحزام والطريق (افتتحت أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي في عام 2017وتفيد تقارير أنها تريد إنشاء قاعدة عسكرية في غرب إفريقيا في غينيا الإستوائية للحصول على موطئ قدم عسكري على ساحل المحيط الأطلسي)  فكل هذه القوي الدولية تطبق سياسات مزدوجة مع دول القارة الأفريقية فمثلاً تفتقر سياسة أميركا في أفريقيا إلى استراتيجية متماسكة في التعامل مع “المنافسة الديمقراطية” فالتزام إدارة بايدن بالديمقراطية في أفريقيا يتعارض مع أهداف سياسية أخرى ففي الواقع  تواجه سياسة الولايات المتحدة في أفريقيا الآن نوعًا من المعضلة الثلاثية : تعزيز الديمقراطية ومكافحة الإرهاب و/أو التنافس مع القوى الكبرى المتنافسة على النفوذ  فالولايات المتحدة تريد القيام بالثلاثة (وأكثر) ولكن من الناحية العملية هي غير قادرة على القيام إلا باثنتين على الأكثر في نفس الوقت على سبيل المثال فإن إدانة أو فرض عقوبات على المجلس العسكري في نيامي أو باماكو سوف يعني نهاية التعاون الأمني الأمريكي ويعطي فرصة لمجموعة فاجنر الروسية لتحقيق المزيد من التقدم في منطقة الساحل ولذلك مازالت الولايات المتحدة 1100تنشر جندي أمريكي في النيجر لدعم عمليات مكافحة الإرهاب لكن الفشل في تسمية ومعارضة الانقلابات المناهضة للديمقراطية يقوض أوراق اعتماد الديمقراطية الأمريكية , وكمثال علي التردد والشلل وعدم الاتساقفي السياسة الأفريقية للولايات المتحدة نجد أنه على الرغم من رفض دعوات قادة الانقلاب من السودان ومالي وبوركينا فاسو وغينيا لحضور قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا في ديسمبر2022 فقد تمت دعوة محمد ديبي الذي استولى على السلطة في تشاد في أبريل 2021 التي صوت ملايين التشاديين في ديسمبر2023 لصالح مشروع دستور جديد مثير للجدل على الرغم من مقاومة منتقدي الحكومة العسكرية الذين يتهمونها بإدامة بقائها في السلطة فبحسب اللجنة الوطنية المسؤولة عن تنظيم الاستفتاء على الدستور (كونوريك) فإن 86% من الناخبين قالوا “نعم” وبلغت نسبة المشاركة في استفتاء 17 ديسمبر2023 والذي يحق لثمانية ملايين شخص التصويت فيه 64 % وهذا الاستفتاء كما يزعم القابضين علي السلطة في تشاد هو الجزء الثاني من عملية من ثلاث مراحل لعودة الدولة غير الساحلية الواقعة في وسط إفريقيا إلى الحكم الديمقراطي بعد وفاة الزعيم السابق إدريس ديبي إيتنو الذي خلفه ابنه محمد إدريس ديبي في عام 2021 ويؤسس هذا الدستور الجديد مثل الدستور الذي حل محله نظاما وحدويا قائما منذ الاستقلال في عام 1960 ويقول الخبراء إن لجنة الاستفتاء تكونت بشكل رئيسي من حلفاء ديبي ولم تقدم للمعارضة أي فرصة حقيقية للنجاح أو التوصل إلى تسوية وفي التصويت كانت الخيارات ببساطة “نعم” أو “لا” للدستور الموحد .

تـــــقديــــر :

في التقدير أنه كان من المؤمل من جانب فرنسا أن تعمل قوة الساحل الخماسية G5 Sahel كإسناد لعلمية Barkhane العسكرية الفرنسية (وليس لقوة الأمم المتحدة في مالي Minusma) في شمال مالي طالما دامت حاجة فرنسا لتحقيق أهدافها الإقتصادية في منطقة الصحراء الكبري وهي مرتبطة في معظمها بإستراتيجية الطاقة الأوروبية وهذا ما يفسر مضاعفة الإتحاد الأوروبي مساهمته في إقامة القوة الخماسية من 50 مليون يورو إلي 116 مليون يورو, ونحن هنا نتكلم عن الإستمرار , أما عن الكفاءة أو تحقيق نتائج حاسمة فهذا أمر قابل لكثير من الشك والغموض لكن الإعلام الفرنسي تكفل بملأ الفراغات المتعلقة بالكفاءة عند تغطيته المُستقبلية لمهمة القوة الخماسية للساحل أو G5 Sahel , فالعسكرية الأمريكية لديها شك فيما يتعلق بكفاءة هذه القوة لأسباب متنوعة بعضها غير فني بل سياسي بحت  , وربما بعض هذه الأسباب مرجعه التنافسية التي تمثل أحد شرائح العلاقات الأمريكية / الفرنسية في أفريقيا فالولايات المتحدة وبعد ان أعلنت في 6 فبراير 2007 عن إقامتها للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقياAFRICOM  وأقرت قانون الفرصة والنمو لأفريقيا AGOA الذي أصبح نافذاً في 18 مايو 2000وبتعزيز مهام الوكالة الدولية الأمريكية للتنمية USAID أصبح لديها أصول أو Assets لابد من إستخدامها بتوسع ويمكن من خلالها التحرك بكفاءة نسبية في أفريقيا لتلتهم مناطق النفوذ الفرنسية , بالرغم من تنسيقها العسكري الحالي مع فرنسا وهو التنسيق الذي بدأ في حملة إسقاط نظام القذافي في ليبيا , لكن هناك ثمة ملاحظة تجب الإشارة إليها لتؤكد ما تقدم أو علي الأقل لتحدد الموقف الأمريكي الحالي من قوة الساحل الخماسية وهو موقف قد يؤثر بدرجة ما علي مستقبلها , إذ أن هناك ثمة إختلاف بين الموقف الأمريكي من قوة التحالف الخماسي للساحل وقوته العسكرية المُسماة G5 Sahel وبين الموقف الأمريكي من مشروع إنشاء تحالف عربي في الشرق الأوسط , فالولايات المتحدة هي من بادر بالترويج لإقامة هذا التحالف العربي المُفترض , فقد نشرت صحيفة THE WALL STREET JOURNAL في 15 فبراير2017 بالإحالة علي مسئوليين شرق أوسطيين قولهم أن إدارة الرئيس الأمريكي Trumpتُجري محادثات مع حلفاء عرب لتشكيل حلف عسكري يجمعهم يمكن أن يتقاسم المعلومات الإستخباراتية مع إسرائيل من أجل المساعدة في مواجهة إيران عدوهم المُشترك , وإتصالاً بذلك نشر موقع صحيفة الأهرام القاهرية في 6 مارس 2017 أن رئيس هيئة أركان الجيش المصري إلتقي الجنرال Petr Pavel رئيس اللجنة العسكرية بمنظمة حلف شمال الأطلنطي NATO بحضور عدد من قادة الجيش المصري وأشار الموقع أنه وفقاً لبيان صادر عن الجانب المصري فإن الجانبين ناقشا مسائل إقليمية من بينها الموقف في ليبيا كما ناقشا التطورات الأخيرة ذات الصلة بالحرب علي الإرهاب والتنسيق والتعاون بينهما في هذا المجال , ومن جانبه أثني الجنرال الأمريكي علي الجهود المصرية في مواجهة الراديكالية والإرهاب وشدد علي دعم حلف الأطلنطي الكامل لهذه الجهود لتحقيق الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط , من جهة أخري نشر موقع Middle East Eye في 2 مارس 2017 كما نشرت وكالة Anadolu التركية في13 مارس 2017 أن هناك حديث عن أن الرئيس الأمريكي Donald Trump يبحث عن تكوين تحالف بين دول عربية وإسرائيل لمواجهة جماعة داعش الإرهابية وإيران وأن هذا التحالف سيشمل دول مثل مصر والأردن واللتان بينهما وبين إسرائيل معاهدتي سلام  والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المُتحدة واللتان لا تربطهما علاقات دبلوماسية بإسرائيل وأحالت الوكالة علي الإعلام الأجنبي إشارته إلي أن هذا التحالف الذي علي نمط منظمة حلف شمال الأطلنطي NATO سيُركز علي تقاسم مُنتظم للمعلومات الإستخباراتية والسماح للشركات العسكرية الإسرائيلية بالعمل في العالم العربي, إذن هناك إختلاف منهجي في السياسة الأمريكية في منطقتي الساحل والشرق الأوسط , وربما أغري الولايات المتحدة إنتصار قوي الثورة المُضادة في دول الربيع العربي , لكن ما أدي إلي خفوت الحديث عن هذا التحالف  .

كما أشرت فقد نجحت فرنسا في عملية الترويج لإنشاء القوة الخماسية للساحل أو G5 Sahel وأستصدرت قراراً من مجلس الأمن لدعمها ثم شنت حملة دبلوماسية علي عدة محاور للتغلب علي أزمة تمويل القوة الخماسية ونجحت في مؤتمر بروكسل الدولي في حل أزمة التمويل التي إستعصت علي الحل لمدة عام تقريباً فجمعت المبلغ اللازم لتأسيس القوة ويبلغ حوالي 500 مليون دولار , لكن قوة الساحل الخماسية تلك مازالت تفتقد إلي الدعم المؤسسي من الإتحاد الأفريقي بمعني أن دول الإتحاد الأفريقي ليست مُجمعة علي هذه القوة الخماسية التي من الوا ضح لكل من ألقي السمع وهو شهيد أنه لولا القدرات الدبلوماسية الفرنسية والعلاقات البينية لفرنسا مع أعضاء منظمة حلف شمال الأطلنطي NATO وخاصة مع الولايات المتحدة والتي دشنت مرحلة جديدة قائمة علي التنسيق والتفاهم المُتبادل بعد حملة ليبيا التي إنتهت بإسقاط نظام القذافي في أكتوبر 2011 وإستكمال تمزيق ليبيا بالتعامل المزدوج مع نظام الثورة المُضادة بقيادة حفتر وحكومة طرابلس , لولا ذلك ما كانت هناك قوة خماسية للساحل , فالساسة الفرنسيون يمكنهم لو أستدعت المصلحة العُليا لفرنسا ذلك أن يتوسلوا بالكذب ومن بين الأمثلة الدالة علي ذلك وتتعلق بموضوعنا التصريح الذي نقلته وكالة Reuters من باريس في 30 يونيو 2012 والذي أدلي به وزير الخارجية الفرنسية Laurent Fabius وأشار فيه إلي أنه يستبعد إرسال فرنسل لقوات في إطار تدخل عسكري محتمل يُوجه لطرد الإسلاميين المُسيطرين علي شمال مالي , مُضيفاً قوله  “حتي اللحظة فإنه يجب أولاً إيجاد حل سياسي …. وأن هناك عمل يجب القيام به لإيجاد الأمن يمكن أن تساعد فيه القوات المالية ويمكن أن تفعل ذلك القوات الأفريقية …. ولا هجوماً فورياً مُنتظراً …. نحن هنا نلعب دور Facilitateur  لأننا قوة سلام (؟) , وأنه مامن تفكير في إرسال قوة فرنسية بدلاً من الأفريقية , لكن علينا أن نلعب دوراً سياسياً فنحن مُيسرين , لأن الأمر يتطلب بطبيعة الحال موافقة من الأمم المتحدة” , وفيما يُناقض التحركات والتصريحات الرسمية الفرنسية نشر موقع Thiessvision – كما أشرت – في 2 أكتوبر 2012 نقلاً عن مصدر عسكري موثوق فيه قوله أنه رصد في معسكر Kamboisne القريب من واجادوجو عاصمة بوركينافاسو المجاورة للنيجر ومالي , وصول قوافل من الأسلحة الثقيلة منقولة جواً مصدرها الجيش الفرنسي , وأوضح المصدر أن هذه الأسلحة وصلت أولاً لأبيدجان عاصمة ساحل العاج بإعتبار تمركز القوات الفرنسية هناك , وأكد هذا المصدر أن فرنسا بإنتظار الضوء الأخضر من الأمم المتحدة لبدء تدخل جوي فرنسي إنطلاقاً من بوركينافاسو يستهدف الإسلاميين الذين “يستعمرون ” شمال مالي (؟؟؟؟)  , وفي وقت سابق وتحديداً في 4 أبريل 2012 أشار موقع Stars and Stripes الأمريكي عن مراسله John Nandiver من شتوتجارت خبراً أحاله علي Nicole Dalrymple الناطق الرسمي للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا حيث مقرها هناك , الذي قال” أنه وبالرغم من أن القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا علقت تعاونها العسكري مع مالي عقب الإنقلاب العسكري بها في 22 مارس 2012, إلا أن القليل من الأفراد الامريكيين مستمرون في التمركز في مالي بوضع الإستعداد , بينما المفاوضات جارية لإعادة الحكم المدني ؟ , (وهو موقف للولايات المتحدة يختلف عن موقفها من إنقلابات عسكرية بدول أخري بها ) .

إن إنخراط العسكرية الأمريكية في القارة الأفريقية عموماً وفي دول الصحراء الكبري علي نحو خاص سيكون بينه وبين الإستراتيجية العسكرية الفرنسية بهذه المنطقة ما يمكن وصفه ” بالمنطقة العازلة ” بسبب التباين الواضح بين المنهجيتين Methodolgyالعسكريتين للولايات المتحدة ولفرنسا ,  لكن هذا الموقف لن يعني أن مساحات التعاون الثنائي غير كافية , هناك تعاون سيكون وسيستمر لكن مع توخي العسكرية الأمريكية لكامل الحذر من تعدي الخط الأمريكي الموضوع والذي يتمثل في : (1) دعوة عسكريات منطقتي الساحل والصحراء للإنخراط في برامج التدريب التي تعدها القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا , و(2) والتعاون في إطار الشراكة المُضادة للإرهاب عبر الصحراء Trans-Sahara Counter Terrorism Partnership التي تُعني بتعزيز قدرات المؤسسات الأمنية وتنشيط المشاركة متعددة الأطراف في مجال المعلومات وتطويرالتوافقية بين الدول المُشاركة في هذه المبادرة , فالعسكرية الأمريكية بل وبعض المعنيين من الأكاديميين الأمريكيين يعلمون مدي الصعوبة والخسارة المُحتملة إن تعدت العسكرية الأمريكية هذا الخط , فعلي سبيل المثال صرحت الأستاذة Laura Seay بكلية Colby College والخبيرة بالشئون الأفريقية لموقع Task & Purpose في 23 يناير 2018 بأنه ” في الدول والحكومات الهشة  يمكن للناس أن يقيموا مُعسكراً ويفعلوا ما شاء لهم أن يفعلوه , إذ لا شيئ سيتغير في ليبيا أو الصومال أو في مناطق من منطقة الساحل كمالي والنيجر فهناك عمليات تشنها جماعات إرهابية ليست مُرتبطة حتي بالإرهاب الدولي , تلك التي تعودنا أن نذهب إليها لنستهدفها في أماكن مثل شرقي الكونجو , فنحن لا نفعل مثل هذه الأشياء فلا شهية لنا لذلك ” , كما أن الضربة التي تلقتها العسكرية في 4 أكتوبر 2014 بالنيجر وأسفرت عن مقتل 4 عسكريين أمريكيين من القوات الخاصة التابعة للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا , تركت بصمة إليمة علي الوعي العسكري الأمريكي العام وألزمت البنتاجون بتوخي مزيد من الحذر خاصة وأن للعسكرية الأمريكية ما لا يقل عن 6 الآف عسكري مُنتشرين في 53 بلد , وقد نشر تصريح أدلت به دكتورة Lauren Ploch لموقع Task & Purpose أيضاً أشارت فيه إلي أن القيادة العسكرية لأفريقيا AFRICOM تعلمت دروساً في العقد الماضي منها ما يتمثل في زيادة مهام ” إسداء النصح والمساعدة ” والتي تعني التدريب والتجهيز …” .

إن للولايات المتحدة طريقها وأسلوبها في النهب مختلف عن الأسلوب والطريقة الفرنسية والأوروبية  والصينية والروسية في العالم الثالث ككل وأفريقيا و أمريكا الجنوبية والوسطى خاصة فلطالما نظرت الدول الإمبريالية إلى القارة الأفريقية كمكان لسرقة الأصول القيمة فتمتلك القارة 30% من الثروة المعدنية المتبقية في العالم وهي موطن لخمسة من أكبر 30 دولة منتجة للنفط في العالم ولهذا السبب قامت القوى الأوروبية بتقسيم القارة خلال “التدافع على أفريقيا” ولهذا السبب تسعى الولايات المتحدة الآن للسيطرة على العمليات العسكرية للدول الأفريقية في مناطق رئيسية مثل منطقة الساحل (إلى جانب الإمبريالية الفرنسية) والقرن الأفريقي فضلا عن الحفاظ على وجود عسكري أوسع في جميع أنحاء القارة  والمثال الأكثر شهرة لتأثير أفريكوم هو مهمة تغيير النظام في ليبيا في عام 2011 فقد تم تنفيذ هذه العملية من قبل “تحالف” متعدد الدول بقيادة الولايات المتحدة، لفرض قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973 – الذي أنشأ الأساس للتدخل العسكري الأجنبي في الحرب الأهلية في ليبيا وهو مثال على مدى الضرر الذي يمكن أن يلحقه التدخل بقيادة الولايات المتحدة ببلد ما دون أن تضطر الولايات المتحدة إلى نشر قوات على الأرض أو التصرف من جانب واحد – وكلاهما جانبان متكرران في عمليات أفريكوم  .

ستتقدم القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقا AFRICOM أكثر في القارة الأفريقية وستعمل بأقصي سرعة وطاقة لشغل الفضاء الذي إضطر الفرنسيين والأوروبيين إلي إخلاءه قسراً تحت وطأة العداء الشعبي ونخبة الحكم في منطقتي الساحل والسحراء وذلك قبل تقدم الصينيين والروس علي نحو خاص وهذه المنطقة منطقة تماس مع العالم العربي الواقع بالقارة الأفريقية , أي أن الولايات أصبحت تطبق علي العالم العربي من داخله ومن جواره بمنطقتي الساحل والصحراء الكبري فهل هم أي نخبة السلطة تدرك مدي الخطورة علي أمن العرب , لا أعتقد فهم في سادرون في سبات عميق كأهل الكهف وغزة وما يحدث فيها ومنها ربما كان كافياً لإيقاظهم فالخطر هاهو ماثل علي خطوط التماس بل وفي منطقة ضربات الجزاء .

الــــــســـــفــــيـــر : بــــــلال الــــمــــصــــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الــقــاهـــرة تــحـــريـــراً في 28 ديــســـمـــبــر 2023

5/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى