البرامج والمنظومات الديمقراطيةالدراسات البحثيةالمتخصصة

العنف السياسي والتجربة الديمقراطية الفتية في الجزائر

La violence politique et l’expérience démocratiquenaissante en Algérie.

العدد الأول يناير لسنة “2017 ” من مجلة العلوم السياسية والقانون

احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي

 

اعداد : أ. درويش عبد المجيد – محامي وباحث في العلوم السياسية (الجزائر).

 

ملخص:

عرفت الجزائر ظاهرة العنف السياسي حين انتقالها من مرحلة الجمود السياسي (الاستاتيكا) إلى مرحلة الحراك (الديناميكا)؛ دون استعداد مسبق لهذا الحراك، فالديمقراطية قبل أن تكون انفتاح سياسي رسمي تتبناه الدولة، هي ثقافة قبل كل شيء؛ تكون داخل المجتمع الواحد حين يتقبل كل شخص من يخالفه من الأشخاص، ويتقبل كل تيار غيره من التيارات دون محاولة تغيير الآخر، و الاستعداد الكامل للتعايش بين مختلف الأطياف السياسية، و غالبا ما يبدأ العنف السياسي بشكل لطيف نسبيا، و ينتهي بشكل رهيب، ففي الجزائر بدأ بتصريحات لا تثير حتى الانتباه، وانتهى بتكفير مجتمع بأكمله، و بمقتل أكثر من 200 ألف شخص بريء.

L’Algérie a connu le phénomène de la violence politique lorsqu’elle a basculé, d’une période statique à une période dynamique, sans être préparé auparavant. Or, la démocratie est une culture de société avant qu’elle soit une politique parrainé par l’état. D’autre part, la violence politique prend son essor dans la société lorsque l’individu rejette l’autre qui n’est pas de sa même idéologie, aussi, réfuter toutes les possibilités de coexister avec les rivaux politiques.

En effet, la violence politique en Algérie a débuté par des proclamations n’ayant aucune influence, et a fini par l’expiation de toute une société, en arrivant au décès de plus de 200 milles algériens.

 مقدمة:

تعتبر ظاهرة العنف بصفة عامة و العنف السياسي بصفة خاصة، سلوك إنساني عرفته المجتمعات مع مختلف أشكال الحكم، و مختلف أشكال الأنظمة التي عرفتها البشرية، و لهذا السلوك جملة من الأسباب تجعل معالجة و فهم ظاهرة العنف السياسي يتطلب إتباع عملية مركبة؛ عكس بعض الظواهر السياسية البسيطة، فالعنف السياسي قد يكون نتيجة لجملة من الأسباب السياسية و الاقتصادية والاجتماعيةوالثقافيةوالنفسية، و يكون مختلفا حسب المصدر فقد يكون من طرف الشعب أو من طرف السلطة أو من طرف جماعة تخرج عن النظام و حتى عن الشعب، لهذا فان العنف السياسي ظاهرة مجتمعية مختلفة الأسباب و مختلفة المصادر.

إن انتقال الدول من مرحلة إلى مرحلة أخرى، يولد تغييرا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية الثقافية، و غالبا ما يعرف المجتمع و الدولة هزات قد تعصف بكيان الدولة جراء الانتقال أو الانفتاح المباشر، و يكون الانتقال سلسا و عاديا في حالة وجود أرضية مسبقة، فبالنسبة للجزائر التي كانت تعيش الأحادية الحزبية و توجهت للانفتاح الديمقراطي المباشر، عاشت مأساة كادت تقضي على كيان الدولة برمتها، بسبب انعدام ثقافة ديمقراطية مسبقة و عدم وجود أرضية مناسبة للانفتاح، و انتشار عام لثقافة العنف بصفة عامة في المجتمع يمكن أخد ملاعب كرة القدم كعينة، و اعتماد العنف السياسي كوسيلة للتعبير و محاولة فرض الرأي على الآخر، و يسمى بثقافة العنف السياسي لأنه كان صادرا من جميع الأطراف؛ ما أدى إلى إفساد العرس الديمقراطي، و تحول التجربة الديمقراطية الفتية إلى مأساة وطنية.

عاشت الجزائر مرحلة الانتقال من الاشتراكية إلى الرأسمالية استجابة لما عرف أحداث 05 أكتوبر1988، والانفتاح الذي تضمنه دستور1989 الذي يتضمن عنصر التعددية السياسية بكل أشكالها، و ما تبعهامن بروز الجبهة الاسلامية للإنقاذFIS، التي استفادة من الجو الديمقراطي لتكثيف نشاطها مستغلة المساجد كأداة هامة لتسويق أفكارها، و خلال هذه المرحلة عرفت الجزائر العنف السياسي، فصدر تارة من الشعب، وتارة من فئة من المتطرفين، و ردة الدولة عليه من جهتها بالعنف المضاد… و بهذا تكون الجزائر قد عاشت العنف السياسي بشتى أوجهه، و شتى مستوياته؛ و بمراحل توصف من أقل درجات وأشكال العنف السياسي إلى أعنف صوره.

  1. أهمية الدراسة:

تكمن أهمية هذه الدراسة في تحليل أبعاد ظاهرة العنف السياسي في الجزائر بصفتها أحد الدول العربية، والإفريقية؛ لفهم و معالجة شتى مصادر، و مستويات ظاهرة العنف السياسي سواء كانذلك العنف الذي تمارسه النظم الحاكمة ضد المواطنين أو ضد فئات منهم، وهو ما يعرف بالعنف الرسميالحكومي أو العنف الذي يمارسه المواطنون أو جماعات وعناصر منهم ضد رموز السلطة ومؤسساتها،وهو ما يعرف بالعنف الشعبي أو غير الرسمي.

  1. الإطار الزماني والمكاني للبحث:

1.2. الإطار المكاني للبحث:

سيعالج البحث ظاهرة العنف السياسي في إطار مكاني يخص المجال الجغرافي لدولة الجزائر لمعالجة (النموذج الجزائري).

2.2.الإطار الزماني للبحث:

بما أن البحث يعالج ظاهرة العنف السياسي التي عرفتها الجزائر أي (النموذج الجزائري)، فإن الإطار الزماني الملائم سيكون منذ بداية تغير معالم المجتمع الدولي؛إثر بداية تفكك الاتحاد السوفياتي أي سنة 1988 إلى مطلع سنة الألفين.

  1. مناهج الدراسة:

1.3. المنهج التاريخي:

تم الاعتماد في إعداد البحث على المنهج التاريخي نظرا للحاجة إليه لتتبعالتطور الكرونولوجي، والمراحل المتسلسلةلتطور ظاهرة العنف السياسي في الجزائر.

2.3. منهج دراسة الحالة: لقد تطلب إعداد البحث الاعتماد على منهج دراسة الحالة، بهدف معالجة و دراسة الحالة التي عايشتها الجزائر قبل و خلال ما سمي العشرية السوداء.

3.3. منهج تحليل المضمون: اعتمدت على منهج تحليل المضمون في تحليل مضمون التصريحات، والبيانات التي واكبة الفترة محل البحث،و التي كانت تتضمن مختلف أشكال العنف اللفظي، و رفض الآخر، والتعدي على قوانين الجمهورية.

  1. إشكالية الدراسة:

– كيف نشأ وماهي المراحل التي مر بها العنف السياسي في الجزائر؟

  1. فرضيات الدراسة:

1.5. العنف السياسي ظاهرة مجتمعية إنسانية تظهر كلما توفرت جملة من العوامل السياسية و الاقتصادية والثقافية و النفسية.

2.5. العنف السياسي في الجزائر صدر من جميع الجهات لدى سميت أزمة الجزائر بالمأساة الوطنية.

3.5. العنف السياسي في الجزائر وغيرها يبدأ من أقل حدة إلى أقصى حدة.

– المطلب الأول: ماهية العنف السياسي.

  1. تعريف العنف:

1.1. العنف لغة: العنف هو الخرق بالأمر وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق واعتنف الأمر: أخذه بعنف، والتعنيف: التعيير واللوم.

2.1. اصطلاحا:

العنفهو عمل يهدف إلىانتزاعالمطالببالقوةوإكراهالآخرعلىالتنازلعنهاأوالاعترافبهابوسائطيتكبدخسائرمنجراءاستعمالها،وهوأسلوبمرفوضفيالأديانوالقيمالإنسانيةوالحضارية،لأنهيحولالقوةالفكريةوالماديةوالمعنويةوالروحيةمنطاقةضروريةللإنسانلبناءذاتهومجتمعهوحضارتهإلىطاقةتدميريةوقوةسلبية.[1]

ويشير مفهوم العنف ” إلى أي سلوك يصدر من فرد أو جماعة تجاه فرد أخر أو آخرين ماديا كان أم لفظيا أم سلبيا، مباشرا أو غير مباشر نتيجة للشعور بالغضب أو الإحباط أو الدفاع عن النفس، أو الممتلكات أو الرغبة في الانتقام من الآخرين، أو الحصول على مكاسب معينة ويترتب عليه إلحاق أذى بدني أو مادي أو نفسي بصورة متعمدة بالطرف الآخرولتحديده بدقة يتطلب الأمر التفرقة بين العنف الشرعي و العنف غير الشرعي، فالدولة التي تستخدم العنف بطريقة شرعية لحماية النظام و القانون داخل المجتمع، دون عقاب الممارسين للعنف الشرعي، أما العنف غير الشرعي، فيبدو عندما يتعرض الفرد للضرب من أحد الغرباء فإنه يعد سلوكا غير مشروع، كما يصنف العنف إلى عنف فردي يقع بين الأشخاص باستمرار ويتمثل العنف الجمعي في حالة الحرب الذي يستهدف التدمير والقتل الجماعي.“ [2]

  1. 2. تعريف العنف السياسي:

يعرفأغلبالباحثينوالدارسينالعنفالسياسيبأنه: ” استخدامالقوةالماديةأوالتهديدباستخدامهالتحقيقأهدافسياسية “، ويعرفههارولدنيبرجHarold Nehbergبأنه: “أفعال التدميروالتخريبوإلحاقالأضراروالخسائرالتيتوجهإلىأهدافأوضحايامختارةأوظروفبيئيةأووسائلأوأدوات،والتيتكونآثارهاذاتصفةسياسية،من شأنهاتعديلأوتقييدأوتحويرسلوكالآخرينفيموقفالمساومةوالتيلهانتائجعلىالنظامالاجتماعي”.

ويعرف العنفالسياسيعلى أنه: “جميعأشكالالضغطوالسيطرةوالاستغلالشريطةأنتصلإلىحدالمسأوالتهديدبمسالأفرادأو الجماعاتجسديا”.

كماعرفهبولويلكنسونPaul Wilkinson * بأنه: “استخدامالقوةأوالتهديدباستخدامهالإلحاقالأذىوالضرربالآخرينلتحقيقأهدافسياسية”.[3]

1.2.تعريفات أولية للسلوك العنيف:
يبدأ العنف السياسي عادة من أروقة السلطة وقصور الرئاسة فالحزب الذي يحكم سواء عن طريق استصدار التشريعات والقوانين التي تصب لمصلحة الحزب وأعضائه أو عن طريق قرار استئصال معارضيه أو مخالفيه الذين يشكلون خطراً على مستقبل وجوده في السلطة ثم أن أعضاء الحزب الحاكم أنفسهم يمارسون من داخل الحزب عنفاً سياسياً ضد بعضهم البعض يمكن أن يسمى بالعنف السياسي الداخلي لتحديد صاحب الرأي ومصدر القرارات .. وقد يبدأ العنف السياسي من أطراف سياسية خارج السلطة تجمع قواها لتأليف معارضة قوية تناهض الحزب الحاكم وتطالب بحقوقها كالمشاركة في السلطة أو الاستحواذ عليها فتتجه الحكومة إلى مقاومة هذه المجاميع السياسية المتمردة بممارسة العنف السياسية المنظم ضدها مثل : حل هذه الأحزاب وحظرها أو تهديد أعضائها أو سجنهم أو قتلهم وأيا كان الطرف الفاعل في ممارسة العنف (عنف رسمياً أم غير رسمي أو شعبياً ) فإن اللجوء إلى العنف يعبر عن وجود أزمة في المجتمع ترتبط درجة حدتها بمستوى ممارسة العنف على الصعيدين الكم والكيفي.
ويرى جميل عوده أن الباحثين اختلفوا في تحديد أسباب العنف السياسي حيث خلصت دراسات أكاديمية كثيرة إلى وجود علاقة مطردة بشكل دائم بين عدم المساواة في توزيع الدخل والقهر الاجتماعي وبين العنف السياسي كذلك فإن أعمال العنف التي كانت إما على شكل إضرابات أو تظاهرات أو أحداث شغب التي مارستها قطاعات وشرائح من العمال والطلبة وبعض الجماعات الإسلامية وحتى بعض القوى اليسارية في فترة السبعينات والثمانينات كانت مرتبطة أساساً بقضية العدل الاجتماعي والاحتجاج على الفجوات الاقتصادية والاجتماعية المجحفة والمطالبة بتوزيع الثروات توزيعاً عادلاً ومرجع هذه الأزمة أنه كلما ساءت عملية التوزيع العادل للثروات وتضخمت المتناقضات الاجتماعية والاقتصادية ساد إحباط فردي وسخط جماعي يمهد لأحداث سلسلة من بؤر توتر وصراع يهدد بالانفجار متى سنحت الفرصة .
… بينما يعتقد البعض أن أسباب العنف السياسي تكمن في السلوك المنحرف للسياسيين ورغبتهم في الوصول أو الحفاظ على السلطة وهم في سبيل ذلك يسخرون الأسباب الكبيرة والصغيرة ويجمعون المتناقضات الاجتماعية والاقتصادية ، ويرجع ذلك إلى قوة الدوافع السياسية وقدرتها على النمو واستجماع عناصر التواصل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي حيث يمارس العنف السياسي من قبل أشخاص ينتمون إلى أحزاب أو منظمات سياسية أو يعملون على تشكيلها بأنفسهم لهم طموحات في القيادة والإدارة وهم يسعون إلى الوصول إلى أهدافهم بطرق وأدوات متعددة وقد لا يقرقون كثيراً وهم يعيشون نشوة الطموح بين الأدوات الشرعية أو المشروعة والأدوات غير الشرعية أو غير المشروعة فالذي يقرر الأداة المناسبة للتعامل مع الخصوم هو الظرف وحجم العقبة التي تقف في سبيل الهدف .
رأي ثالث يرى أن العنف السياسي سواء كان لسبب اجتماعي أو اقتصادي أو كان بسبب نفساني والرغبة في السيطرة والتحكم فإن العنف السياسي ظاهرة تكاد أن تكون طبيعة في سلم الصراع من أجل الديموقراطية.

  1. أسباب العنف السياسي:
    هناك ما يطلق عليه البعض منابع العنف السياسي بمعنى البيئة الاجتماعية التي انبتت العنف وهي ذاتها أسباب العنف السياسي ويمكن أن ترد كل الأسباب إلى أن العنف السياسي هو تعبير ووسيلة تمارس وأداه ضغط تهدف إلى رفض ممارسات السلطة ولذا فإن البعض يرى في العنف رد فعل للدفاع عن الذات ومحاولة لاستعادة الحقوق المضيعة والمصادرة وفي مقدمتها حق المشاركة في السلطة ومنع اغتصابها وتأسيس نظام الدولة على شرعية واضحة تحظى بالإجماع الشعبي.
    1.2. الاستبداد السياسي:
    أو ما يسمى بالسلطة الشمولية التي تنكر حق الآخر في المشاركة السياسية… وفي هذا الصدد يشير أرسطو إلى الإرهاب على أنه ظاهرة مرتبطة بالطغيان الذي تمارسه الملكية المطلقة،و بحرمان الرعية (القوى السياسية) من حرية التعبير وإبداء الرأي والمشاركة في القضايا التي تهم المجتمع مع ضيق قنوات الحوار وانسداد وسائله في مقابل ممارسة أعمال القمع وتقييد الحريات العامة وعدم الاعتراف بحق الاختلاف مع باقي القوى الاجتماعية وغلق كل منافذ الحوار.

2.2.انعدام الحياة السياسية الوطنية السليمة:

إن انعدام الحياة السياسية الوطنية السليمة وغياب أطر ومؤسسات المشاركة الشعبية في الشأن العام ولد مناخاً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً يزيد عن فرص الانفجار الاجتماعي ويساهم في اقناع العديد من أفراد القطاعات الاجتماعية المختلفة بخيار العنف.[4]

3.2. غياب ثقافة الحوار:

إن الحوار يستند إلى نظام خلقي راقٍ، يتجنب الضغط والإكراه والنفي والإلغاء، و رفض الآخر،[5] وعند غياب ثقافة الحوار البناء داخل المجتمع الواحد غالبا ما تنحر عليه عواقب وخيمة تدور في فلك العنف السياسي،ورغم أن هذه الاحتجاجات والتظاهرات تعدّ حقّا قانونيا يكفله القانون بوصفه حقّا من حقوق التنظيم والتعبير؛ فإن أغلب هذه المظاهرات تنبع من معضلة اِنعدام الحوار البنّاء والنقاش الجادّ والتواصل الفعّال الذي يؤدّي إلى حلّ المشاكل والاستماع إلى الطرف الآخر، حيث تتحوّل الاحتجاجات إلى وسيلة (ترهيبية)، وفي كثير من الأحيان (ابتزازية) لتحقيق مطالب سياسية أو اقتصادية دون إعطاء فرصة للحوار الذي قد يؤدّي إلى حلّ المسائل والإشكالات بطرق تشاورية سلمية. [6]

  1. أنواع و أشكال العنف السياسي:

1.3. العنف المؤسسي: الذي تعبر عنه ممارسات بعض الحكومات خروجاً عن الدساتير والمواثيق والشرعية التي ارتضتها لنفسها.
2.3. المقاومة المسلحة: قد تكون المقاومة أحد أوجه العنف السياسي يلجأإليها حين انعدام الطرق السلمية الأخرى.
3.3. العنف الهيكلي:
الذي ينجم عن التفاوت في توزيع الدخول والثروات وفرص الحياة أو هو نتيجة انقسام الطبقي داخل كل مجتمع.
4.3. الاضطراب: وهو نشاط سياسي عنيف يتميز بمشاركة جماهيرية عريضة وبدرجة منخفضة نسبيا من التنظيم ذو محدودية أو عدم تبلور أهدافه وملامح الاضطراب أحداث الشغب والأخريات والتظاهرات.

5.3. التآمر: وهو استخدام القسر أو العنف أو الإجبار على نطاق محدود بهدف الظفر بالسلطة السياسية أو تعزيزها وأكثر مظاهر التآمر شيوعاً الاغتيال والإرهاب والانقلاب العسكري.

6.3.التمرد: وهو شكل من أشكال المواجهة المسلحة للنظام القائممن قبل بعض العناصر المدنية أو العسكرية أو الإثنين معا؛ وذلكلممارسة الضغط والتأثير على النظام للاستجابة لمصالح معينةلهذه القوى، وقد يكون التمرد طويل المدى مقدمة لثورة قدتطيح بالنظام برمته.

7.3.العنف الحكومي: وهو العنف الذي يوجهه النظام إلى المواطنين أو إلى جماعات وعناصر معينة وذلك لضمان استمراره وتقليص دور القوى المعارضة والمناوئة له ويمارس النظام العنف من خلال أجهزته القهرية كالجيش والشرطة والمخابرات والقوانين الاستثنائية كقانون الطوارئ في مصر على سبيل المثال (رأي الكاتب). [7]

8.3.العنف الشعبي: وهو العنف الموجه من المواطنين إلى النظام وهناك نوعان من العنف السياسي تمارسهما أجنحة السلطة ضد بعضها البعض أو قوى وجماعات ضد قوى وجماعات منافسة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية.
وعليه يكون تعريف العنف السياسي “بأنه كافة الممارسات التي تتضمن استخداماً فعلياً للقوة أو تهديداً باستخدامها لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بشكل نظام الحكم وتوجهاته الإيديولوجية وبسياساته الاقتصادية والاجتماعية.
9.3. العنف المؤسسي: أولها العنف المؤسسي الذي تعبر عنه ممارسات بعض الحكومات خروجاً عن الدساتير والمواثيق والشرعية التي ارتضتها لنفسها.[8]

– المطلب الثاني: الأطر النظرية المفسرة لظاهرة العنف السياسي.

نظرا لتعدد المداخل النظرية المفسرة لظاهرة العنف السياسي واكتشاف مصدره، فقد تم التركيز على البعض منها.

  1. الاتجـاه السيكولوجـي:

يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن العدوانية الكامنة وراء العنف هي في الصميم من كيان الإنسان ومن ممثلي هذا الاتجاه أي نظرية التفاعل الرمزي شارلز كوليch.cooleyوجورج هريربرت ميدG.H.Mead، ونظرية الإحباط والعدوان بزعامة فرويد.

يتفق أنصار الاتجاه النفسي بأن العنف سلوك يتم تعلمه من خلال عملية التفاعل ” إن الناس يتعلمون سلوك العنف بنفس الطريقة التي يتعلمون بها أي نمط أخر من أنماط السلوك الاجتماعي” ، مادام العنف سلوك يتعلمه الناس فيمكن تجنبه عن طريق عدم تعلمه، وبالتالي يمكن التخفيف من حدته من خلال تغيير محتوى عملية التنشئة الاجتماعية وإعداد البرامج الفعالة لعلاج مشكلة العنف.

بينما رد أنصار نظرية الإحباط والعدوان سلوك العنف إلى البناء الاجتماعي كنتيجة لعدم المساواة والعدالة داخل المجتمع،” فالإحباط من شأنه أن يعوق التخلص من استشارة أليمة فقد يشعر الفرد بالإحباط لأنه لا يجد في بيئته ما يلزمه ويسعى إليه وهو ما يعرف بالنقص والحرمان”، فالعوز والحرمان مصدر من مصادر العنف إلا أن ذلك لا يعني أن أي إنسان تعرض للإحباط يمارس بالضرورة للسلوك العنيف فمظاهر العدوانية أساسها النظام الاجتماعي.

  1. الاتجـاه الاجتماعـي:

ينظر أنصار الاتجاه الاجتماعي إلى العنف بأنه استجابة للبناء الاجتماعي وغريزة إنسانية فطرية تعبر عن نفسها عندما يفشل المجتمع في وضع قيود محكمة على أعضائه، بينما نظرية ميرتون ترى بأنه ما ينجم عن الأهداف المجتمعية والوسائل المباحة لتحقيقها من قبل الأفراد ونوعية سلوكهم، وإمكانية اعتباره سلوكا عنيفا، أم لا وفقا للعلاقة بين الوسائل والأهداف سواء بالقبول أو الرفض، بينما نظرية الثقافة الفرعية للعنف، تراه سلوكا غير مرغوب فيه بالنسبة لكثير من أعضاء المجتمع، ويكون جزء من أسلوب الحياة بالنسبة لبعض أعضاء المجتمع الذين ينتمون إلى الثقافة الفرعية للعنف، ويعتبر كعلاج لمشاكلهم لأنهم يفضلون أسلوب الخشونة. وقد عبر عن ذلك “مارفن” بأن هذه الثقافة هي السبب الرئيسي لارتفاع معدلات العنف في جماعات الجوار الفقيرة، وبين أعضاء الطبقة الدنيا، وأنها لا تعد بثقافة فرعية بل في الواقع من الثقافة العامة للمجتمع.

  1. الاتجـاه الاقتصـادي:

يشير أنصار النظرية الاقتصادية إلى أن كل التفاعلات والعلاقات الاجتماعية داخل الأنساق الاجتماعية تعتمد على القوة، وكلما زادت الموارد التي يتحكم الشخص فيما زادت القوة التي يستطيع أن يحشدها، وكلما زادت مصادر وموارد الشخص التي يستطيع أن يستخدمها في أي لحظة قلت درجة ممارسة العنف، وبالتالي فإن الفرد يلجأ إلى استخدام العنف عندما تكون موارده غير كافية أو ضئيلة، و هذا ما يفسر الاستغلال المختفي والتعسف في توزيع الثروة، والتشريعات المتعسفة التي تضعها أقليات لحماية نفسها ومصالحها، تعتبر من مظاهر العنف داخل المجتمع.[9]

  1. التفسير الماركسي:

الذي يركز على عنصر الاستغلال الذي تمارسه طبقة محدودة العدد والسيطرة اقتصاديا وسياسيا على الطبقات الأخرى، إلا أن العلاقة بين الاستغلال والعنف ليست ميكانيكية بل تتوسطها بعض المتغيرات مثل الوعي الطبقي، والتنظيم السياسي والقيادة…

5.التفسير الوظيفي:

ويفسر العنف السياسي بوجود حالة من العجز في أبنية النظام السياسي لا تستطيع معها القيام بوظائفها بفاعلية، ومن هنا تفقد القدرة على التكيف والتأقلم مع التغيرات الجديدة التي قد يكون مصدرها داخليًا وخارجيًا، والتي تتضمن المزيد من الضغوط على النظام القائم. ولذلك قد يلجأ النظام إلى القوة والإكراه لمقاومة هذه الضغوط والتحكم فيها، وهذا يؤدي إلى أعمال العنف المضاد.

6.التفسير النفسي السلوكي:

ويركز على مقاومة الإحباط المولد للعنف، وثمة العديد من العوامل تؤدي إلى الإحباط أهمها، اتساع الفجوة بين ما يتوقعه المواطن وبين ما يحصل عليه فعلا، أو اتساع الهوة والتناقض بين شعارات النظام وممارسته، بجانب وجود أزمة حادة كهزيمة عسكرية، أو أزمة اقتصادية… كلها تقود إلى الإحباط. لكن ثمة عوامل يمكن أن تحول دون العنف رغم وجود الإحباط، مثل تزايد المقدرة القمعية للنظام التي قد تدفع الأفراد لتفريغ طاقاﺗﻬم نحو مصادر أخرى للتنفيس، بالإضافة إلى انتشار الروح السلبية وضعف التنظيمات السياسية… [10]

– المطلب الثالث: العنف السياسي و المفاهيم ذات الصلة.

  1. العدوانيــةAgression:

في الجمع بين معناها النفسي والسلوكي، ” هي ذلك المتصل الذي يحتل إحدى طرفيه سلوك هجومي، أو فعل عدواني الذي يمكن أن يتخذ أية صورة من الهجوم الفيزيائي، ويحتل طرفه الأخر النقد اللفظي المهذب وكل كائن يجد لنفسه موقعا على هذا المتصل، تبعا للمواقف الاجتماعية التي يحياها “.

  1. التصلـبl’intransigeance:

ربط بعض الباحثين بين ” العنف والتصلبLa violence et l’intransigeance” فالعنف فعل يبدأ بالتصلب ” وهو حالة من الاحتفاظ باتجاه أو رأي أو التمسك كأسلوب للعمل. [11]

  1. العنف الديني:

إن العنف الديني على صلة وثيقة بالعنف السياسي فقد يكون العنف الديني نتيجة أو سببا لقيام العنف السياسي،فقد يستخدم الدين لتبرير العنف ضد الجانب الآخر من خلال الخطاب الديني الملون الذي يروج له القادة الدينيين.[12]

إنالدينيعدأحدموجهاتالحركةالاجتماعيةالتيتسعىإلىتبديلالمنظومةالفكريةفيأيواقعاجتماعيوذلكباعتبارالديناستجابةلظروفاجتماعية،اقتصادية،وسياسيةوثقافيةمعينة،وفقالذلكأنالتغيرالسريعيقحمالفردفيمفهومالذاتبدونحدودفيبدأفيالتساؤلاتحولمنأكونوماهوهدفحياتيإلىآخره،ويقدمالفكرالدينيمفهومالذاتكترياقواسعالمدىيشفىمنصدمالتغييرالاجتماعي.

وفي دراسةعن العنفالعقائديحاولتاستكشافأصولالعنفغيرالحكوميبينالسكانالسيخفيدولةالبنجابفيالهند،حيثتربطالدراسةبينالإيديولوجية الدينية وبينشدةالشعوربالنضالأوالحركةنحوتحملالنضال،وأنتلكالأيديولوجيةتعدأهمالعواملالتيتفسروجودالعنفالدينيويتخذالعنفالسياسيالدينيبصفةعامةإحدىالصورالتالية:

4.الصراع السياسي:

لعل محاولتنا للربط بين مفهومي “العنف السياسي” و”الصراع السياسي” تتأتى من واقع التداخلات النظرية بين مفاهيم “القوة، العنف، الصراع”، فالعنف مفهوم مركب متعدد الصور والأبعاد والمستويات، وله دلالات اجتماعية وسياسية واقتصادية وهناك من يقول انه ظاهرة لعبت دوراً كبيراً في الشئون الإنسانية ويعد أحد الأدوات المستخدمة في الصراع.[13]

  1. العنفالمذهبي:

مثل صراع الشيعة و السنةأو صراع الكاتوليك مع البروتيستانت، فالصورةالأولىهيمايطلقعليهالعنفالسياسيالمذهبيوفيهتنتمي للجماعاتالمتصارعةإلىدينواحدأساسي،ثميختلفونمنحيثإنتساﺑﻬملمذهبدونآخر،فالصراعاتالموجودةبينالكاثوليكوالبروستانترغمإنتساﺑﻬملدينواحد،كذا الشيعةوالسنةفيالمسلمين،وكلفئةوأصحابمذهبترىأنمذهبهاهوالمنهجالسليمفيتطبيقالدين.

أماالصورةالثانيةوهومايسمىبالعنفالسياسيالديني،بمعنىيكونالصراعداخلالمذهبالواحدوذلكحولالسلطةفكلفئةترىأنهاملتزمةبتعاليمالدينوالأخرىلا.

أماالصورةالأخيرةوهيالعنفالسياسيالدينيالموجهمنجماعةدينيةإلىجماعةدينيةأيضاولكنهاتنتميلدينمختلفويدورهذاالعنفأيضاشأنغيرهحولالسلطة[14].

  1. الإرهاب:

إنالتأملفيسماتالإرهابوسماتالعنفالسياسي والدينييكشفأنبينهماتداخلوصلةقويةأوشبهكبير،وعندإجراءالمقارنةيتضحمايأتي:

استخدمالعنفأوالتهديدباستخدامه،وسلوكالعنففيكلمنهماوقديكونفردياأوجماعيا،منظماأوغيرمنظم،إقليميأودولي،وعادةماتكونأهدافهماسياسية،إضافةإلىالخطورةالتييشكلانهاعلىالمجتمع.

.إنالعنفالسياسيأعممنالإرهاب،وأنالإرهابصورةمنصورالعنفالسياسي.

– بعضالأوجهالتيقدتميزالإرهابعنالصورالأخرىللعنفالسياسي،وتتمثلفيالآتي:

– إنأعمالالعنفالإرهابيةتتجاوزنطاقوحدودالهدفالمباشرلها،لتصلتأثيرهاإلىأفرادأوجماعاتأخرىمستهدفةبالعملالإرهابي،وذلكمنخلالرسالةأوإيحاءماتنطويعليهارأي ثالث يرى أن العنف السياسي سواء كان لسبب اجتماعي أو اقتصادي أو كان بسبب نفساني والرغبة في السيطرة والتحكم فإن العنف السياسي ظاهرة تكاد أن تكون طبيعة في سلم الصراع من أجل الديموقراطية.

  1. الجريمة السياسية:

لا يوجد تعريف جامع للجريمة السياسية، فأغلبالفقهاءيقرونأنهمنالعسيروضعتعريفجامعمانعللجريمةالسياسية،ويذهبالبعضمنهمإلىأبعدمنذلكفيقولأنهمنالمستحيلوضعتعريفمنضبطللجريمةالسياسيةلأنهاتتعلقبوقائعمختلفةيصعبجمعهافيقاعدةواحدة.

” الجرائم التي تقع لمجرد قصد الاخلال في نظام الدولة الخارجي أو الداخلي”.

في القانون الفرنسي تعرف الجريمة السياسية على أنها “الجريمة التي تنطوي على معنى الاعتداء على نظام الدولة السياسي، سواء من جهة الخارج أو من جهة الداخل“.

أما القانون الانجليزي فيعتبر الجريمة السياسية على أن:” الجريمة ذات الطابع السياسي هي الجريمة التي تلازم الاضطراب السياسي وتشكل جزءا منه، ويبدو تأثيره بالمذهب المادي الذي يلتزم في تحديد الجريمة السياسية بطبيعتها وبصفتها الخاصة دون اعتبار لشخصية الفاعل”.

ومن الفقه العربي يعرفها رجل الدين والسياسي اللبناني نديم الجسر: في مؤلفه ” قانون الجزاء” بأنها:”الجرائم التي تقع لمجرد قصد الاخلال في نظام الدولة الخارجي أو الداخلي“.[15]

وهناك من يعرفه بأنها:” الفعل المجرم الذي يصطدم مع النظام السياسي للدولة سواء من جهة الخارج كاستقلال الدولة وسلامة أراضيها وعلاقتها بالدول الأخرى أو من جهة الداخل كشكل الحكومة ونظام سلطتها السياسية وحقوق الافراد السياسية“.[16]

– المبحث الثاني: نشأة و تطور ظاهرة العنف السياسي في الجزائر.

إن ظاهرة العنف السياسي داخل المجتمع الجزائري لم يكن وليد الحراك السياسي الذي عرفته الجزائر مطلع التسعينات،و لم يكن بنفس الحدة طيلة مدة الأزمة الأمنية؛ بل كانت له ارهاصات و انتقل من أقل إلى أشد حدة.

– المطلب الأول: ظروف و أسباب نشأة ظاهرة العنف السياسي في الجزائر.

  1. 1. الأزمة الاقتصادية و السياسية:

عرف مطلع 1988 نشاطا سياسيا مكثفا بعد صيف تميز باختلال تسويق الكثير من المواد الاستهلاكية الضرورية،، وارتفعت أصوات تتحدث عن وجود شرخ كبير في جبهة التحرير الوطني، بين اصلاحيين يريدون الدخول بالحزب في مرحلة جديدة، ومحافظين متجمدين يعضون على السلطة بالنواجد، وعرفت مدينة قسنطينة بداية 1988انتفاضة قوبلت بالقمع، وكانت بمثابة “بروفة” لأحداث أكتوبر، وفي نفس الشهر وعلى بعد بضع أشهر من المؤتمر القادم للحزب، يلقي الرئيس في اجتماع حزبي خطابا بالغ العنف يدين فيه كل المؤسسات الجزائرية، وكأنه في اجتماع حزبي مغلق.[17]

  1. أحداث 05 أكتوبر 1988:

حملة واسعة ضد الفساد،و كلام في الشارع عن توزيع الثروات بطرق غير شرعية وتبذير الأموال العمومية، مست هذه الحملة الرئيس وأفراد عائلته، وبعض أعضاء التيار الإصلاحي، بحيث طرحت في الشارع القضايا التالية:

قضية تحويل الأموال من البنك الخارجي.

قضية مركب رياض الفتح.

قضية توزيع أراضي مزرعة بوشاوي.

قضية ثانوية ديكارت بمدينة الجزائر.

و كان الخطاب الذي ألقاه الرئيس الشاذلي بن جديد بمثابة الشرارة التي فجرت الوضع،لقي هذا الخطاب تجاوبا في الأوساط الشعبية، وفي ظل حركة الإضرابات، بدأ الحديث عن تنظيم مظاهرات مناهضة للنظام يوم 05 أكتوبر 1988،بدأت بوادرها يوم 04 أكتوبر ليلا بالعاصمة؛ وانتشرت في صباح 05 أكتوبر لتشتد وتعم العاصمة ونواحي أخرى من الوطن،ضمت هذه المظاهرات العديد من الفئات الشعبية وخاصة الموجودة على خطوط المواجهة مع تدهور أحوالها المعيشية، بحيث تصدرها المفصولون عن الدراسة والعاطلون عن العمل والكهول والعزاب، ولقد كانت أحداث أكتوبر 1988 موجهة خاصة ضد رموز السيادة الوطنية مثل البلديات ومقرات الحزب وبعض مقرات الوزارات والمؤسسات التربوية، التي تعرضت إلى عمليات الحرق والنهب وشتى أنواع التخريب الأخرى.[18]ويوم 10 أكتوبر، يظهر الشاذلي بن جديد على التلفزيون، ودعا المواطنين للتعقل، ووعدهم بغدأفضل، وبإصلاحات في جميع المجالات السياسية والاقتصادية، وكان الهدوء قد عاد إلى كل أحياء العاصمة وما جاورها.

وفهم الجزائريون أن ثمة تلميح لتغيير في نظام الحكم، وأن الجزائر مقبلة على الانفتاح، وهو ما تم فعلا، حيث رحل شريف مساعدية عن جبهة التحرير الوطني ليخلفه عبد الحميد مهري، وأقر الشاذلي دستورا جديدا أقر التعددية السياسية والإعلامية في الجزائر، وفتح مجال النشاط واسعا لكل التيارات السياسية مهما كانت انتماؤها، وأقر حرية التعبير أيضا، كما فتح المجال الاقتصادي للقطاع الخاص·[19]

  1. دستور23 فيفري 1989 والانفتاح الديمقراطي:

في يوم 10 أكتوبر 1988 أخد الرئيس بن جديد المبادرة، وأعلن عن استفتاء لتعديل دستور 1976، مع إدخال إصلاحات سياسية واسعة، واستندت الإصلاحات على ثلاثة مبادئ هيالفصل بين الدولة وجبهة التحرير الوطني، والمشاركة الحرة في الانتخابات البلدية والتشريعية؛ والالتزام بالحريات العامة، وكتبت الصحافة يوم 24 نوفمبر 1988، في جملة أمور منها: “إنه يجب أن نستعيد ذاكرتنا، بكل ما نملك ذاكرة، دون تحريف”.[20]

1.3.اعتماد الجبهة الاسلامية للإنقاذ:

تأسست مع مطلع عام 1989 كحزب سياسي، وكانت من طلائع الأحزاب التي تم الإعلان عنها بعد أسابيع قليلة من تبنى التعددية الحزبية؛ وذلك بمبادرة زعيم الجبهة الدكتور عباسيمدنى ونائبه على بلحاج اللذان استطاعا حشد عدد كبير من الدعاة وأئمة المساجد والأساتذة والطلاب وبعدها، تم تشكيل مجلس شورى للجبهة مكونا من 30 عضوا، وقد استطاعت الجبهة أن تحشد ضمن قواعدها عددا كبيرا من المواطنين في فترة قصيرة من خلال مبادرتها كأول حزب إسلامي يظهر على الساحة.

2.3. انفتاح ديمقراطي في ظل غياب الثقافة الديمقراطية:

إن الجزائر التي واكبت عصر الأحادية القطبية الذي تشكل فيه خطاب سياسي وأكاديمي حول تراجع الحروب بين الدول أو الحروب الدولاتية، وتزايد الصراعات الداخلية في كثير من أنحاء العالم النامي، حيث برز هذا النوع من الاضطرابات بتحول جملة من الدول من الاشتراكية إلى الرأسمالية الليبرالية، وما نتج عنه من انفتاح اقتصادي وسياسي في بعض الدول التي لم تكن مستعدة لهذا الانفتاح، خاصة الانفتاح السياسي لانعدام الثقافة الديمقراطية وثقافة تقبل الآخر دون محاولة تغييره.

– المطلب الثاني: تقسيم العنف السياسي في الجزائر حسب المصدر.

تسمى الأزمة الجزائرية بالمأساة الوطنية نظرا لكونها تحمل مسؤولية الجميع،و لا نستطيع تحميل طرف لوحده مسؤولية ما حصل، فالعنف السياسي في الجزائر صدر من جميع الأطراف؛ لدى سنحدد مصدر العنف عند كل من: الشعب و جبهة الإنقاذ و النظام الجزائري.

– الفرع الأول: العنف السياسي الممارس من طرف الشعب.

قد يلجأ الشعب أحيانا أمام انسداد الأفق، و انعدام قنوات التواصل مع النظام، و وصول مرحلة الاحتقان السياسي إلى أعمال الشغب، و هذا ما يندرج تماما في خانة العنف السياسي الشعبي، و هذا ما حصل في الجزائر حين أعمال الشغب التي عرفتها الجزائر فيأحداث 05 أكتوبر 1988،اثناء مرحلة التشنج التي رافقت انهيار القدرة الشرائية و غلاء الاسعار و انتشار البطالة و تدني الخدمات الإدارية والصحية و التي كانت بداية تعبير الجزائريين عن مطالبهم عن طريق العنف…وتعتبر بداية سلوك الجزائر مسلك العنف بشتى مستوياته و أشكاله.

– الفرع الثاني: العنف السياسي الممارس من طرف جبهة الانقاذ.

  1. استعمال العنف اللفظي: (انتقاد باقي الاحزاب الاسلامية)

كانت العلاقة بين الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالفعاليات الإسلامية الجزائرية تتسم بقدر كبير من التنافس، بل والصراع في بعض الأحيان، وذلك بسبب مواقف الجبهة الإسلامية تجاه هذه القوى، فقد رفضت الدعوة التي وجهها الشيخ أحمد سحنون لوحدة الصف الإسلامي لتوحيد المواقف وتقريب الرؤى بين القوى الإسلامية الموجودة في الساحة الجزائرية، وبررت الجبهة الإسلامية  رفضها بأنها تمتلك الأغلبية والأقدمية ومن ثم؛ فعلى القوى الإسلامية الأخرى أن تنطوي تحت لوائها دون أية شروط كما رفضت الجبهة الإسلامية الدعوة التي وجهتها حركة حماس (الإخوان) لتوحيد الصف الإسلامي في عام 1989 وذلك تحت إسم (التحالف الإسلامي الوطني) لخوض انتخابات المحليات في جوان 1990، وبعد فوز الجبهة الإسلامية في هذا الانتخابات، تأكد لها  صحة موقفها كما هاجمت الجبهة الإسلامية؛ حزب حركة المجتمع الإسلامي- حماس-،  ووصفته بالعمالة للنظام وكذلك كان موقفنا تجاه حزب حركة النهضة الإسلامية كما كان يردد أنصارها ذلك خلال الأحزاب العام الذى دعت إليه الجبهة مثل: لا النهضة، لا حماس الجبهة هي الأساس.

كما هاجمت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إعلان الاتحاد الإسلامي للنقابات (إحسان) في الصحف اعلنت عن إنشاء كيان لها في النقابات سمي النقابة الإسلامية للعمل.[21]

  1. الغوغاء السياسية:

إن الاصطدام بين السلطة والجبهة الاسلامية للإنقاذ أصبح لا مفر منه خاصة بعد التصريحات الخطيرة الذي بدأ يطلقها “علي بلحاج”،هذا بالإضافة إلى اللافتات التي كانت ترفعها الجبهة في الإضراب الذى دعت إليه مؤخرا مثل :” تسقط الديمقراطية”، “لا ميثاق ولا دستور قال الله وقال الرسول”، وفى هذا السياق يمكن القول أن الاتجاه  الغالب في الجبهة الإسلامية للإنقاذ هو اتجاه التشدد حيث أن معظم أعضاء وأنصار الجبهة من قطاع الشباب الذى عادة ما يميل لاعتناق التشدد ومن خلال زيادة شعبية زعيم هذا الاتجاه في الجبهة وهو على بلحاج الذى كان قد عين نائبا لرئيس الجبهة بدلا من بن عزوز زبدة.

  1. الخروج عن الطابع الجمهوري للدولة:

مثل تسمية البلديات التي حازت عليها الجبهة في الانتخابات بالبلديات الإسلامية،و عرض سلع مدعمة، و تسميتها الإسلامية مثل أقلام إسلامية … و غيرها.

1.3. مرحلة العصيان: هي مرحلة عرفت جملة من الاضرابات الغير مرخصة و المسيرات و محاولة شل النشاط اليومي للمجتمع.

2.3. انتقال جزء من أنصار الجبهة إلى العنف المسلح:

نشأ الارهاب في الجزائر حين أصبحت الفرصة سانحة بالنسبة للمتعطشين للعمل المسلح من طرف الحاملين لفكر الهجرة والتكفير، وفئة من الأفغان العرب؛ الذين قاموا بدفع الأمور نحو أعنف مرحلة عرفتها الجزائر،و أشرسأنواع العنف السياسي فمع بداية الاصطدام بين النظام والجبهة الإسلامية للإنقاذ وبداية العصيان تفاجئ، كل من النظام وجبهة الإنقاذ بجماعات تسلك العنف وتتكلم باسم الجبهة الاسلامية للإنقاذ.

– الفرع الثالث: العنف المضاد الممارس من طرف الدولة.

أمام أشكال العنف السياسي التي مارسته جبهة الانقاذ قامت المؤسسة العسكرية بالتدخل و الرد بما يسمى العنف المضاد، مما تولد عليه:

  1. استقالة الرئيس:

في تلك الفترة، أصبح وصول الجبهة الاسلامية للإنقاذ إلى سدة الحكم يعني توجه الجزائر نحو المجهول، خاصة أن الجزائر كانت تعاني من مشاكل اقتصادية، وأن الجبهة بعد وصولها للحكم هل ستلتزم بحسن الجوار؟ وهل تلتزم الجبهة بالحفاظ على الطابع الجمهوري للدولة؟ وهل ستحترم الحريات ومبادئ الديمقراطية خاصة اتجاه التيارات السياسية العلمانية؟ هذا مالم يثق فيه كبار قيادات المؤسسة العسكرية، خاصة مع إصرار بعض قيادات الجبهة على أن الديمقراطية كفر!، وأمام هذا الانسداد قام الرئيس الشاذلي بن جديد بتقديم استقالته، يوم 11 يناير 1992، مخاطبا الشعب الجزائري قائلا: “إني ومنذ اليوم أستقيل من منصبي كرئيس للجمهورية واطلب من كل مواطن اعتبار هذه الاستقالة كتضحية في سبيل المصلحة العليا للوطن”.[22]

  1. حل البرلمان:

كما لم يكن في الحسبان و مخالفة للقانون الدستوري فقد تم حل البرلمان يوم 12 يناير 1992، وبأمر من المؤسسة العسكرية لمنع رئيس البرلمان آنذاك “السيد عبد العزيز بلخادم” من اعتلاء كرسي الرئاسة المؤقت نظرا لمعارضته على توقيف المسار الانتخابي.

فقد عرفت بداية 1992 حراكا سياسيا حادا وتسارعا في الأحداث، فلقد عرفت الساحة السياسية استقالة رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد في 11 يناير 1992، والذي لحقه توقيف المسار الانتخابي والغاء نتائج الانتخابات في 12 يناير 1992، والذي يؤدي آليا إلى تولي السيد عبد العزيز بلخادم لرئاسة الدولة بصفته رئيسا للبرلمان، إلا أن التيار الاستئصالي داخل السلطة خاصة المؤسسة العسكرية، رفض هذا على أساس أن البرلمان قد حل يوم 04 يناير 1992، وبهذا فإن السيد عبد العزيز بلخادم فقد الصفة التي تخوله لمنصب الرئاسة كما ينص عليه الدستور، وفي حقيقة الأمر فإن البرلمان لم يحل يوم 04 يناير 1992 ولا قبل استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، بدليل أنه يوم 04 يناير 1992، قام السيد “عبد العزيز بلخادم” بترأس وفد برلماني بصفته رئيس الاتحاد البرلماني العربي في طرابلس الليبية، وعاد السيد “عبد العزيز بلخادم” إلى أرض الوطن يوم 06 جانفي 1992، واستقبله الرئيس “الشاذلي” يوم 07 جانفي 1992 بصفته رئيسا للبرلمان لتقديم عرض حال عن المهمة، وفي يوم 11 جانفي 1992، يوم استقالة الرئيس”الشاذلي بن جديد” قام السيد “عبد العزيز بلخادم” باستقبال كل من سفير مصر، وسفير فرنسا، وسفير إيران بصفته رئيسا للبرلمان، ولم يعلم باستقالة رئيس الجمهورية إلى عبر شاشة التلفزيون كباقي الجزائريين، وحتى بيان الاستقالة في حد ذاته لم يتكلم عن حل البرلمان،فالبرلمان حل ما بعد يوم 11 جانفي 1992، وثم بقرار بعدي بأثر رجعي ليوم 04 يناير1992.

  1. توقيف المسار الانتخابي والغاء نتائج الانتخابات:( 12 يناير 1992).

قررت المؤسسة العسكرية التدخل لوقف المسار الانتخابي وإلغاء نتائج الانتخابات، كما صرح السيد اللواء خالد نزار الذي كان على رأس المؤسسة العسكرية في منصب وزير للدفاع:” إن قرار توقيف المسار الانتخابي لم يكن خيارا بقدر ما كان ضرورة ملحة، حيث كان خطاب الجبهة الإسلامية للإنقاذ يهدد بنسف كل منجزات الديمقراطية التي بدأت فتية “، ويؤكد اللواء المتقاعد أنه كان من أشد المؤمنين بالخيار الديمقراطي بعد دستور 1989 الذي قال إنه رأى فيه فرصة تمكن الجيش من الانسحاب من السياسة.[23]

  1. حل الجبهة الاسلامية للإنقاذ:

فبراير 1992 أصدر المجلس الأعلى الدولة مرسوما بإنشاء المجلس الاستشاري الوطني كبديل للسلطة التشريعية المحلة، وعين أعضاؤه (60 عضوا) بمرسوم رئاسي ولهم دور استشاري فقط، وزادت الاشتباكات بين مؤيدي الجبهة الإسلامية للإنقاذ والقوى الأمنية، وأعلن قانون الطوارئ ورَفَضت جبهة التحرير الوطني ما حدث واعتبرته أمرا غير شرعي، وبعد الاعتصامات والمطاردات اليومية في شوارع المدن وإبداء مظاهر العصيان المدني، في مارس 1992؛ حظرت السلطات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وحلت كل المجالس المحلية التابعة لها.

  1. اعتقال قيادات الجبهة:

قام النظام الجزائري بحملة واسعة لقمع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في بداية سنة 1992 ليضع حدا لاندفاعها الكبير، وركز في حربه على قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لأنها كانت ببساطة معروفة لديه، وكان الشيخان عباسي مدني وعلي بن حاج أول المستهدفين، تلاهما عبد القادر حشاني رحمه الله في يناير 1992، مع جماعة من مساعديه أي المنتمين لتيار الجزأرة، ثم اتسعت الاعتقالات لتشمل كل النواب والإطارات المحلية التي فازت في الانتخابات السابقة، واعتمدت أجهزة الأمن على القوائم المعلنة، وفتحت معاقل الصحراء، وأخذ الناس إليها جوا وبرا، فكانت النتيجة عكس ما كانت تنتظره السلطات الجزائرية؛ حيث برزت على السطح فجأة وبدون سابق إنذار، نخب أخرى غير معروفة أصبحت الفاعل الأساسي في عمليات العنف التي حدثت في  البلاد.

– المطلب الثالث: المراحل التي مرة بها ظاهرة العنف السياسي في الجزائر.

  1. العنف السياسي ينطلق من أقل حدة إلى أشد و أقصى حدة:

كما أن الانفتاح على الغير و تقبل الآخر يعتبر ثقافة تعم المجتمع؛ فإن العنف كذلك حين ينتشر داخل المجتمع يصبح متواترا و يأخذ صفة العرف السياسي؛ في كيفية التعبير عن الذات، و غالبا ما يبدأ و ينطلق من أقل حدة إلى أقصى حدة. و بعدما عالجنا العنف السياسي في الجزائر من حيث المصدر سنحاول معالجته من حيث الحدة.

1.1. مرحلة التعبير عن طريق العنف السياسي اللفظي:

إن سلوك العنف السياسي اللفظي سلوك اتسم به النقاش السياسي في الساحة الجزائرية سواء على مستوى القاعدة أو على مستوى السلطة، نظرا لغياب ثقافة التفتح آنذاك و هذا راجع إلى عدة عوامل منها:

1.1.1.نجاح الثورة الإيرانية (فبراير 1979): 

إن طموحات الشباب الإسلامي المتمثلة إجمالا في قيام الدولة الإسلامية، تأججت بقيام الجمهورية الإسلامية بإيران، 12 فبراير 1979، ومن ثم حاول الإيرانيون بعد انتصار ثورتهم تصديرها بطرق عديدة منها المنشورات والجرائد والصحف،و خصوصية هذه الثورة أنها جاءت بشكل عنيف جدا، و تأثر الشباب و النخبة الاسلامية بهذا النموذج بدا واضحا في مطلع الثمانينيات.

2.1.1. الغزو السوفياتي لأفغانستان (ديسمبر 1979):

بعدما كانت دولة أفغانستان مجرد دولة إسلامية لا يعرف عنها الكثير، أصبحت دولة محل اهتمام من الحركات الإسلامية، وأصبح الجهاد الأفغاني يشعل الإيمان في النفوس، فأصبحت قضية محورية وعقائدية لدى المسلمين، وأصبح الجهاد في أفغانستان موضوع كل الخطباء والحلقات المسجدية.[24]و من هنا بدأت مظاهر العنف في الافق بظهور التدريبات على الفنون القتالية في الغابات لمجموعات تتميز بلبس اللباس الافغاني ( الجابادور)، وتتدرب و كأنها متعطشة للقتال.

3.1.1.انتشار فكر و خطاب جماعة الهجرة والتكفير:

تستقي هذه الجماعة جل أفكارها من “معالم سيد قطب” وتستلهم تعاليم الفقيه الحنبلي ابن تيمية، ويتأسس خطاب هذه الجماعة على ثلاثة مبادئ: التكفير، الهجرة، الجماعة.

فالمجتمع القائم بحكامه، مجتمع جاهلية، وذلك لأن الحاكمية فيه للبشر، فالكل في حكم الجاهلية والكل في منزلة الكفر، ولذا حسب هذه الجماعة، ينبغي اعتزال هذا المجتمع الكافر، وعدم التصالح معه.

  1. مرحلة العنف السياسي العملي:

بدأت تتبلور مع مرحلة الأزمة السياسية و الثقافية و انسداد الأفق أمام كل من الشعب، و الطبقة السياسية، و الذي واكب فشل التجربة الاشتراكية و تصدع الكتلة الشيوعية، و الارضية الخصبة التي سبق ذكرها مثل الغزو السوفياتي و الثورة الايرانية و غيرها، انجبت احداث اكتوبر التي تعتبر صورة واضحة عن ثقافة العنف، و ما سيلحقها لن يكون إلى عنفا و لن يصب في خانة ثقافة الحوار و الديمقراطية.

  1. مرحلة العنف المسلح:

بعد اعتماد الجبهة الاسلامية للإنقاذ،و التيأخدت خلالها سلوك يدخل ضمن العنف السياسي، حين اعتادت أسلوب الوعيد و التهديد الممنهج و نشر سياسة رفض الآخر، و التي بدأت بتصريحات تكفر الديمقراطية، و وصلت بتوجه الشيخ علي بلحاج إلى مقر وزارة الدفاع بالزي العسكري في تعدي خطير على قوانين الجمهورية، عند بداية الغزو العراقي في حرب الخليج الأولى،و لم ينتهي الوضع عند هذا الحد بل وصل إلى الاصطدام المباشر بين النظام و جبهة الإنقاذ، والذي عرفت فيه الجزائر أشرس صور العنف المسلح…

1.3. ميلاد الجماعة الإسلامية المسلحةGIA:

هي جماعة إسلامية متشددة وتهدف إلى الإطاحة بالنظام الحاكم في الجزائر وإحلال حكومة تحكم بالإسلام محله، وتعارض أي مهادنة أو حوار مع الحكومة القائمة، وتريد تحقيق هدفها دون المرور بأي عملية سياسية، فهي لا تأمن بالعمل السياسي أصلا، ولا ترى حلا لإحلال الدولة الإسلامية غير العمل المسلح.

– و لحقها جملة من الجماعات الإرهابية:

2.3. الحركة الإسلامية المسلحة من جديد الMIA:

مباشرة بعد إلغاء وتوقيف المسار الانتخابي؛ أعيد تشكيلها من بقايا جماعة بويعلي الذين قرروا نهج العمل المسلح للوصول إلى حلم الدولة الاسلامية،ودخلت في العمل المسلح ضد النظام مباشرة، وبادرت بإصدار بيانات بتوقيع “اللواء” عبد القادرالشبوطي أحد أبرز اعضاء حركة بويعلي، وتم القضاء على الحركة سنة 1994، واعتبرت الخزان الرئيسي الذي عزز صفوف الجماعة الإسلامية المسلحة.[25]

3.3.الجبهة الإسلامية للجهاد في الجزائر(FIDA):

حركة إرهابية تأمن أن الجهاد يبدأ من الرأس،تأسستهذهالجبهة سنة 1993، بقيادة محمد السعيد ينتمي عناصرهاإلى تيار الجزأرة،وهي حركة إرهابية نخبوية تضم جامعيين، تخصصت في اغتيال المثقفين والأدباء والأطباء والمحامين،وقدتحالفتمعالجماعةالإسلاميةالمسلحةلبعضالوقتولكنهااستأنفتنشاطهاالمستقلبعدذلك،وقد تم القضاء عليها في 1997.

4.3.الحركة من أجل الدولة الإسلامية:

ركزت أعمالها في الجزائر العاصمة يقودهذهالحركةسعيدمخلوفيوهومن بين مؤسسيجبهةالإنقاذالإسلامية،والذيانفصلعنالحزبفيجويلية1991، تقهقرت هذهالحركةبعدوفاة مخلوفي،وقد تم استئصالها سنة 1998 من قبل قوات الأمن وإثر المجازر التي حدثت بين المجموعات المتناحرة 1997.

5.3.الباقون على العهد:

أسست سنة 1991 لم تدم طويلا والتحق أغلب أعضائها بالجماعة السلفية للدعوة والقتال ويتواجد البعض الآخر في ألمانيا وبلجيكا.

6.3. المجموعات المسلحة المستقلة:

مجموعاتصغيرةإضافيةتعملعلىمستوىمحليفقط،وتتميزإمابافتقارهالطموحاتأوسعأوتذبذبهابينالحركاتالكبيرة، تشكلت من عناصر مهمشة عاطلة عن العمل ومن الأفغان السابقين لا يمتثلون سوى لرؤسائهم المباشرين ويتحركون في محيط محدد بدقة أي عصابات من المرتزقة المسلحين أميون وجهلة، كانوا من المنحرفين وذوي السوابق العدلية، وبرزت في ضواحي المدن الكبرى.

7.3.جماعة الهجرة والتكفير:

مجموعة عنيفة، تأسست سنة 1991 من قبل قدماء أفغانستان تدعي استنادها لمنظمة مصرية، ظهرت إلى الوجود سنة 1974 تتبنى العنف وسيلة، وقد أطر أعضاؤها كل المجموعات المسلحة.

8.3.حماة الدعوة السلفية:  

تأسستعام 1996 منقبلقادةبنشيحا،القائدالسابقللجماعةالإسلاميةالمسلحةغربالجزائر،ولازالتناشطةحتىالآن بداية 2015. وإنحماةالدعوةالسلفيةتتخذلهاقواعدفيولايةغليزان،وفيعينالدفلىوتيسمسيلت،وهيتقاتلالمجموعاتالصغيرةالتابعةللجماعةالإسلاميةالمسلحة،ويبلغعددأعضائهازهاء 70 فردا، كانت تعرف سابقا باسم “كتيبة الأهوال” ويقودها إلى 2015، بن سليم محمد المدعو “سليم العباسي”.

9.3. الجماعة السلفية من أجل الجهاد:

تحت إمرة عبد القادر صوان المدعو أبو تمامة تضم حوالي 60عنصرا تتحرك في منطقة عين الدفلى وتيسمسيلت.

10.3. الجماعة السلفية المقاتلة:  

بقيادة يحيى جوادي المدعو أبو عمار تضم 80 فردا ولها اتصالات مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال.

11.3. الجمعيةالإسلاميةللدعوةوالجهاد:

تأسستهذهالجمعيةعام 1996 منقبلعليبنحجار،القائدالسابقللجماعةالإسلاميةالمسلحةفيمقاطعةالمدية،وقدحّلتهذهالجمعيةنفسهاعام 2000.[26]

  1. مرحلة أقصى التطرف (تكفير المجتمع كليا):

وصلت الأزمة الجزائرية إلى مرحلة، استغل الإرهابيون فيها عملياتهم الإجرامية لسلب أموال ومجوهرات الضحايا من الأحياء والأموات، وسرقة المواد الغذائية، وحرق المحاصيل الزراعية وتدمير الأموال المنقولة والعقارات، وصاحب هذه العمليات أحيانا ذبح قطعان كبيرة من الماشية، وتميزت بعض الحوادث باختطاف النساء، واغتصابهن وقتلهن، وإلقاء جثثهن في الصحاريوالأحراش، واتسمت العمليات الإرهابية منذ 1996 بالضراوة واستهداف الرجال والنساء والاطفال دون تمييز. [27]

– الخاتمة:

إن العنف السياسي ظاهرة سياسية عرفتها مجموعة من الدول التي تنتقل من مرحلة الجمود السياسي (الاستاتيكا) إلى مرحلة الحراك (الديناميكا)؛ دون استعداد مسبق لهذا الحراك، فالديمقراطية قبل أن تكون انفتاح سياسي رسمي تتبناه الدولة، و مجموعة من الأحزاب التي تحصل على الاعتماد من طرف وزارة الداخلية…إنما الديمقراطية هي ثقافة قبل كل شيء؛ تكون داخل المجتمع الواحد حين يتقبل كل شخص من يخالفه من الأشخاص، و يتقبل كل تيار غيره من التيارات دون محاولة تغيير الآخر، و الاستعداد الكامل للتعايش بين مختلف الأطياف السياسية.

و من منظور أكاديمي فان متغير العنف السياسي كغيره من المتغيرات يتأثر، و يؤثر في البيئة المحيطة به، و غالبا ما يبدأ العنف السياسي بشكل لطيف نسبيا، و ينتهي بشكل رهيب، ففي الجزائر بدأ العنف السياسي بتصريحات لا تثير حتى الانتباه، و انتهى بتكفير مجتمع بأكمله، و بمقتل أكثر من 200 ألف شخص بريء.

– قائمة المراجع:

– مراجع باللغة العربية:

-أبو زكريا يحيى، الحركة الإسلامية المسلحة في الجزائر1978- 1993. ط1. بيروت: مؤسسة المعارف للمطبوعات، 1993.

– أحمد محمد يوسف حربة، استشراف التهديدات الإرهابية، الرياض: مركز الدراسات و البحوث،2007.

– آدم قبي. قراءة في دراسة: رؤية نظرية حول العنف السياسي، مركز نماء للبحوث و الدراسات، جوان 2013.

– التقرير رقم 29 للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات الشرق الأوسط، ” الجماعات الإسلامية، العنف والإصلاح في الجزائر”، القاهرة/ بروكسل: 30 جويلية 2004.

– بن الكيلاني الأوصيفعبد الله،قضايا الإرهاب والعنف والتطرف في ميزان القرآن والسنة، المدينة المنورة: اللجنة العلمية للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب، 2004.

– حسين جمعة، ثقافة الحوار مع الآخر، مجلة جامعة دمشق – المجلد 24 -العدد الثالث، 2008.

–  حنيفي هلايلي، “الحركة الإسلامية في الجزائر:قراءة في ثلاثية: الدعوة، العمل السياسي، العنف المسلح”، متوفر على الرابط التالي:http://www.freemediawatch.org

– خليفة أدهم، “خريطة حركات الإسلام السياسي في الجزائر، في: الأهرام الرقمي، متوفر على الرابط التالي:http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=217207&eid=1024

– صليحـة مقاوسـي، الخلفيــة المعرفيــة لظاهــرة العنـف، جامعة الحاج لخضر باتنة، موقع انتروبوس، متوفر على الرابط التالي: http://www.aranthropos.com

– علي بن فايز الجحني، الإرهاب: الفهم المفروض للإرهاب المرفوض، الرياض˸ أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية،2001.

– محمد فتحي عيد، واقع الارهاب في الوطن العربي، الرياض: أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، 1999.

– محمد قروش، أزمة غياب ثقافة الحوار، في: أخبار اليوم الثلاثاء، 24 فبراير 2015. متوفر على الرابط التالي: http://www.akhbarelyoum.dz/ar/200243

– محمد نبيل الشيمي، العنف السياسي في العالم العربي… دواعيه وتداعياته، المجلة السياسية، بيروت: العدد 98.

– محمد نبيل الشيمي المحور: مواضيع وابحاث سياسية الحوار المتمدن، العدد: 3009.

– محي الدين عميمور، الجزائر: الحلم والكابوس،ط1. لبنان: دار الفارابي، 2005.

– مراد محامد،”كرونولوجيا أحداث 05 أكتوبر1988″، في: الجزائر نيوز، متوفر على الرابط التالي:  http://www.djazairnews.info/component/content/article/41html.

– مصطفى بلعور،”الإصلاحات السياسية في الجزائر1988-1990″، في: موقع الدكتور بوحنية قوي، متوفر على الرابط التالي:http://bouhania.com/news.php?action=view&id=43

– يوسف ناصر وماهر عساف (محرر)، الدين وتبرير العنف، الخليل: مركز علم تسوية النزاعات والتصالح الاجتماعي، 2010.

– مراجع باللغة الأجنبية:

-Abed Charef,  Algérie le Grande  Dérapage, Paris: Edition de l’aube, 1994, Page 255.

-AnneliBotha,”Terrorism in the Maghreb the  Transnationalisation of  domestic Terrorism”, ISS Monograph Series , No 144, July 2008,p 26.

-Khaled Nezzar, Algérie échec a une régression, Paris:publisud, 2001, p 167.

[1] – عبدالله بن الكيلاني الأوصيف، قضايا الإرهاب والعنف والتطرف في ميزان القرآن والسنة، المدينة المنورة: اللجنة العلمية للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب، 2004،ص11.

[2] – صليحـة مقاوسـي، الخلفيــة المعرفيــة لظاهــرة العنـف، جامعة الحاج لخضر باتنة، موقع انتروبوس، متوفر على الرابط التالي: http://www.aranthropos.com/%

[3]– أحمد محمد يوسف حربة،استشراف التهديدات الإرهابية، الرياض: مركز الدراسات و البحوث،2007، ص18.

* – بولويلكنسون، من مواليد 09 ماي 1937وتوفي يوم 11 أوت 2011، كان أستاذ فخري للعلاقات الدولية والمدير السابق لمركز جامعة سانت اندروز لدراسة الإرهاب والعنف السياسي، أصبح كمعلق في وسائل الإعلام البريطانية السائدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة, من مؤلفاته:الإرهاب السياسي  (1974)،الإرهاب مقابل الديمقراطية (1976).

[4]– محمد نبيل الشيمي المحور: مواضيع وابحاث سياسية الحوار المتمدن، العدد: 3009.

[5]– حسين جمعة، ثقافة الحوار مع الآخر، مجلة جامعة دمشق – المجلد 24 – العدد الثالث، 2008، ص 17.

[6]– محمد قروش، أزمة غياب ثقافة الحوار، في: أخبار اليوم الثلاثاء، 24 فبراير 2015. متوفر على الرابط التالي: http://www.akhbarelyoum.dz/ar/200243/-

[7]– آدم قبي، “رؤية نظرية حول العنف السياسي”، في مجلة الباحث، مركز نماء للبحوث والدراسات، جوان 2013، ص2.

[8]– محمد نبيل الشيمي، العنف السياسي في العالم العربي… دواعيه وتداعياته، المجلة السياسية، بيروت: العدد 98، ص 15.

[9]– صليحـة مقاوسـي، مرجع سابق.

[10]– آدم قبي، مرجع سابق، ص 2.

[11]– صليحـة مقاوسـي، مرجع سابق.

[12] – يوسف ناصر وماهر عساف (محرر)، الدين وتبرير العنف، الخليل: مركز علم تسوية النزاعات والتصالح الاجتماعي،2010،ص5.

[13]– جهاد عدوة، تصور حوثي بشأن سيطرة القوات الحوثية على صنعاء 2014، ص 4.

[14]– آدم قبي، مرجع سابق.

[15]– علي بن فايز الجحني، الإرهاب: الفهم المفروض للإرهاب المرفوض، الرياض˸ أكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية،2001، ص 114.

[16]– نفس المرجع، ص 114.

[17] – محي الدين عميمور، الجزائر: الحلم والكابوس،ط1. لبنان: دار الفارابي، 2005، ص121.

[18] – مصطفى بلعور،”الإصلاحات السياسية في الجزائر1988-1990″، في: موقع دكتور بوحنية قوي، متوفر على الرابط التالي:http://bouhania.com/news.php?action=view&id=43.

[19]–  مراد محامد،”كرونولوجيا أحداث 05 أكتوبر1988″، في: الجزائر نيوز، متوفر على الرابط التالي:http://www.djazairnews.info/component/content/article/41html.

[20]-AnneliBotha,”Terrorism in the Maghreb the  Transnationalisation of  domestic Terrorism”, ISS Monograph Series , No 144, July 2008,p 26.

[21] – خليفة أدهم، “خريطة حركات الإسلام السياسي في الجزائر، في: الأهرام الرقمي، متوفر على الرابط التالي:

http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=217207&eid=1024

[22] – Abed Charef,  Algérie le Grande  Dérapage, Paris: Edition de l’aube, 1994, Page 255.

[23]-Khaled Nezzar, Algérie échec a une régression, Paris:publisud, 2001, p 167.

[24] – حنيفي هلايلي، “الحركة الإسلامية  في الجزائر:قراءة في ثلاثية: الدعوة، العمل السياسي، العنف المسلح”، متوفر على الرابط التالي:http://www.freemediawatch.org/

[25] – يحيى أبو زكريا، الحركة الإسلامية المسلحة في الجزائر1978- 1993. ط1. بيروت: مؤسسة المعارف للمطبوعات، 1993، ص 73.

[26]– التقريررقم 29 للمجموعةالدوليةلمعالجةالأزماتالشرقالأوسط، ” الجماعات الإسلامية، العنف والإصلاح في الجزائر“، القاهرة/ بروكسل: 30 جويلية، 2004، ص 12.

[27] – محمد فتحي عيد، واقع الارهاب في الوطن العربي، الرياض: أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، 1999، ص 118-119.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى