مقالات

روسيا وخروجها الاعلامي من سوريا

بقلم : د.خالد ممدوح العزي – كاتب اعلامي وخبير بالشؤون الروسية ودول اوروبا الشرقية

-المركز الديمقراطي العربي

سؤال لايزال يطرح نفسه على الجميع ؟ماذا يريد الرئيس بوتين من سورية ،من المؤكد بات للجميع بان التدخل العسكري الروسي في سورية ليس لإظهار التضامن مع الرئيس بشار الاسد ،ولم ينقل جنوده من روسيا جوا  الى قواعد عسكرية جديدة في اللاذقية للإبقاء الامر فقط على نظام الاسد ـفهذا الامر مفروغ منه ،فان بوتين ليس قلقا على خسارة الميناء  الوحيد المتبقي لروسيا في الشرق الاوسط (في المياه الدافئة) ،  لكن الرئيس الروسي حاول بهذه الحركة الاستعراضية التي قام بها بارسل رسالة للعالم وللغرب بانه يستطيع السيطرة والتحرك ساعة يريد وهو من يقرر دون التوافق مع احد، وهذه النظرية اكدتها عملية الخروج المفاجئ للقوات الجوية من سورية والتزام روسيا الهدنة من طرف واحد بظل التهدئة التي انجزت على اعقاب جنيف 3.

فالخروج من سورية كان بشكل سري ومحير جدا ، حيث لا تزال الاسئلة التخمينية تغلب على الاجابات  القاطعة وعن الاهداف الروسية واندفاعتها المشاركة في الحرب السورية.

ومن هنا اضحى الجواب واضحا بان الروس اكدوا بعملية الخروج بانهم هم من يمتلكون ورقة التحرك في المجال الاقليمي، وهم اصحاب القرار في عملية التدخل والخروج حيثما يردون ومتى يشاؤون ذلك وهذا ما اكدته عمليتهم الاخيرة في حلب التي اطلقوا عليها عملية اغاثة حلب ،حيث حاولوا الروس فيها القضاء على المعارضة وانهاء الصراع لصالهم من خلال السيطرة على ثاني اكبر مدينة سورية واخذ العالم جميعا لمفاوضات بشروطهم  .

لكن بما يتعلق بالانسحاب الروسي يقول الخبير السياسي اللبناني غسان سلامة  في مقابلة على قناة ال بي سي اللبنانية في اذار \مارس الماضيبأن “من يقول انه كان يعلم بقرار الاعلان عن انسحاب القوات الروسية من سوريا فهو كاذب حتى اميركا والسعودية تفاجأتا بالقرار الروسي بالانسحاب من سوريا لأن استراتيجية بوتين تقضي : انا ادخل حين أشاء واخرج حين أشاء واعود حين اشاء ، والروس حريصون على تنفيذ القرارات التي اتخذت من قبل ادارتهم والسبب الاختلاف في وجهات النظر مع السوريين” مستشهدا بما قاله  بوتين بأن “الانسحاب هو لتعزيز الحلول السياسية في سوريا”

وأوضح ان “هناك تأفف سوري من بعض الروس، اختلاف واضح بين المواقف السورية والروسية حيال الوضع العسكري والعملية السياسية في سوريا رغم أن هناك تفاهم وتلاق على بعض النقاط إلا أن هذا الأمر ليس شبيها بالتحالف الإيراني –الروسي”.

ربما كان انحياز روسيا بالدرجة الاولى الى معسكر مذهبي في المنطقة ضد معسكر اخر ذي صفة مذهبية ايضا ،هو الممر الازم والاجباري لتبيث مواقعها على الارض وتامين مصالحها على شواطئ البحر الابيض المتوسط.

لكن الانكفاء السريع عن الموقع السوري وبدأ الخلاف مع نظام الاسد والنظام الايراني دفعها بالاستدارة نحو النظام التركي لترتيب العلاقات الروسية – التركية لصالح التوجهات الروسية .

فالخطوة الروسية الجديدة  كانت الامساك بنظام سني  في المنطقة يؤمن لها  في الدخول المباشر في التغييرات الجيوسياسية  الحالية ،لذلك لم يكن بالإمكان تخيّل أن تمرر روسيا مقاربتها السورية من دون مشاركة تركيا والدول المعنية الأخرى. أدركت موسكو منذ تدخلها العسكري أيلول\ سبتمبر 2015، أن قوة نيرانها لن تنجح في فرض رؤاها في سورية، وأن صمود المعارضة، على رغم كثافة التدخل العسكري لدولة يفترض أنها عظمى بالمعنى العسكري، لا يعود فقط إلى كفاءة المقاتلين، بل إلى استثمار إقليمي مضاد لن يسمح بسقوط سورية داخل المألات التي يمكن أن يرسمها خطّ التحالف مع دمشق وطهران وتوابعها.

وبهذا الاطار يكتب الاعلامي اللبناني خيرالله خيرالله  بان كلّ شيء يتغيّر في الشرق الأوسط وفي إطار أوسع منه. لذلك لا يمكن للروسي  سوى أن تتغيّر، لا لشيء سوى لأنّها بدأت تشعر بالحاجة إلى إعادة تموضع في ضوء المستجدات التي تشهدها المنطقة والعالم. من بين هذه المستجدات اكتشاف القيادة في روسيا للنظام الدولي الذي اعتقدت أنّ في استطاعتها ابتزازه إلى ما لا نهاية. العالم في نهاية المطاف، ليس العالم معارك سورية، بما في ذلك النظام الاقتصادي .

ويرى المحلل السياسي  محمد قواص بان بات في حكم المسلّم به أن روسيا تمتلك في شكل كامل مفاتيح الأحجية السورية برمتها بأبعادها العسكرية والديبلوماسية. فلا حراك عسكرياً للنظام وحلفائه من دون ضوء أخضر يتّسق مع رؤى القيادة في حميميم، ولا مقاربة سياسية تفاوضية تمرّ دون رضى موسكو. وإذا ما قيّض لمن لم يفهم هذه القاعدة أن يتمرد على تلك المسلّمة فإن خسائره سترتفع، كما حال “حزب الله” في ريف حلب الجنوبي، وجنرالاته سيسقطون، كما حال ضباط إيران في خان طومان.

لا يأتي هذا الاحتكار الروسي للملف السوري من جبروت كاسح لموسكو، بل من إجماع دولي، ويبدو إقليمياً أيضاً، لإيكال أمر سورية لإدارة الكرملين بزعامة فلاديمير بوتين. تأخرت هذه “الوكالة”، لكن واشنطن التي جرّبت الأداء الروسي خلال سنوات الأزمة السورية أقرت لموسكو بمواهب تؤهّلها للقيام بالمهمة وحتى إشعار آخر.

د.خالد ممدوح العزي .

Khaled el-izzi

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى