مقالات

تظاهرات العراق الاستراتيجية المفقودة والأمل المنشود

بقلم– كريم الشافعي
منذ حوالي السنة ولحد الآن تشهد بغداد ومحافظات الفرات الاوسط والجنوب تظاهرات شعبية واسعة ناقمة على السلطتين التشريعية والتنفيذية بسبب الفشل التام الذي رافق اداء هاتين السلطتين وايضا بسبب عمليات النهب الواضح للثروة الوطنية ضمن مسلسل الفساد الاداري والمالي الذي يبدو انه لن ينتهي في ظل المعالجات الترقيعية الجارية , وان المتابع لسير الاحداث يؤشر نقاطا ايجابية واخرى سلبية رافقت هذه التظاهرات , ولعل العامل الايجابي فيها هو هذا الوعي الجماهيري الذي وأن جاء متأخرا الا انه علامة حيوية من علامات النهضة الحقيقية والرفض الصارخ لكل مايمكن ان يسيء الى وطنية سكان مناطق الفرات الاوسط والجنوب , فهم قد انتفضوا على من أدعوا انهم جاءوا لنصرتهم وللدفاع عن مظلوميتهم من سياسيي التحالف الوطني خصوصا , لذلك تحسب للشعب هذه النسبة العالية من الوعي وهذه النهضة الحقيقية في تجاوز الاخفاقات وكسر حاجز المحظور الذي حاول السياسيون وضعه امام المتظاهرين تحت ذريعة نصرة المذهب او المعتقد .
اما في مايتعلق بالجوانب السلبية للتظاهرات فيمكن لنا ان نؤشر النقاط التالية –
1- غياب الاستراتيجية الواضحة في التعامل مع المتغيرات مما جعل اداء بعض الجهات المشاركة في التظاهرات يتسم بالانفعالية والفوضوية والتخبط احيانا
2- تعدد الجهات التي تدعي انها المحرك الحقيقي للمتظاهرين وتشعب القيادات مما أثر على مركزية القرار وبالتالي غياب التأثير المتأتي من وحدة الموقف
3- محاولة بعض الحركات السياسية ركوب موجة التظاهرات العفوية لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة او اهداف مرحلية
4- غياب الدور القيادي المطلوب لمؤسسات المجتمع المدني التي يفترض ان يكون لها مبادرات فاعلة في رسم استراتيجيات التعامل مع الاحداث في هذه المرحلة الخطيرة
5- غياب التخطيط السليم وغياب الرؤية المستقبلية لما يمكن ان يجري , لذلك لا توجد حلول بديلة للمشاكل والمعوقات ولا توجد استراتيجية ضغط واقعية تستخدم كوسيلة من وسائل التصعيد لأجبار الحكومة على الاستجابة للمطالب
6- ضبابية الرؤية وعدم طرح برنامج وطني متفق عليه يتضمن حلولا واقعية يمكن ان تكون بديلا عن البرنامج الحكومي الحالي الذي يتفق الجميع على انه هزيل تماما ولا يمثل طموح العراقيين بمختلف انتماءاتهم .
وعلى الرغم من هذه المؤشرات السلبية فأن هذه التظاهرات هي آخر ما تبقى للشعب العراقي ليستعيد كرامته وانسانيته وهي بكل صدق تعتبر الفرصة الاخيرة للنجاة وللعبور الى آفاق رحبة مضيئة نتمكن فيها من تجاوز اخفاقاتنا وينعم فيها العراقي بثروات بلده ويضمن كل مواطن مستقبل مشرق لأبنائه , وهنا نود ان ننبه القوى السياسية الى ضرورة عدم النظر الى المتظاهرين كخصوم كونهم لم يطرحوا لحد هذه اللحظة اهدافا تدعو الى اسقاط الحكومة والعملية السياسية بل كان سقف المطالب لا يتعدى الاصلاح ومحاسبة الفاسدين , انها بكل صدق فرصة حقيقية للحكومة والبرلمان وللقوى السياسية للاستفادة من هذا الزخم الجماهيري ولطي صفحة الماضي بكل مساوئه والبدء بصفحة جديدة لا مكان فيها للفاسدين وللطائفيين ( ونعتقد ان الشعب العراقي متسامح ويمكن له ان يغفر جرائم الكتل السياسية التي ارتكبوها بحق الشعب العراقي خلال الفترة المنصرمة ) , نؤكد انها فرصة حقيقية على الجميع استغلالها قبل فوات الاوان لأن استمرار الوضع على ماهو عليه الان ينذر بمستقبل مظلم ومآسي كبيرة يمكن ان تنجر اليها البلاد فيما لو استمرت الحكومة بسياستها الحالية وبخنوعها التام للاحزاب والقوى السياسية . نقول لقيادات الكتل السياسية لقد آن الاوان لكم لكي تتوقفوا عند هذا الحد , يجب ان تسيطروا على نزواتكم وتكبحوها فقد حققتم على حساب الشعب العراقي مكاسب لم تكونوا تتوقعوها حتى في احلامكم , الان جاء الوقت لتعتذروا للشعب عن اخطائكم , انه دوركم في التضحية ببعض المكاسب لنبني دولة حقيقية , واننا أذ نسامحكم فاننا نفعل ذلك لأجل العراق وليس لأجل سواد عيونكم فنحن على يقين ان هناك من يحاول استغلال الظرف الحالي من اعداء العراق ليزيدوا الوضع تعقيدا وليعمقوا الخلافات بين ابناء البلد الواحد , لذلك سنسامحكم مضطرين وليس راغبين فاستغلوا هذا الظرف مادام الحظ لازال مبتسما لكم .

 

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى