الدراسات البحثيةالعلاقات الدوليةالمتخصصة

الإتحاد الأوروبي والقضية الفلسطينية

اعداد : ياسمين حلمي العايدي – كاتبة صحفية و باحثة علوم سياسية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

فلسطين لها أهمية استراتيجية في الفكر الأوروبي ، فقد كانت محور الخلاف بين فرنسا و بريطانيا ، عندما وضعت اتفاقية سايكس بيكو فلسطين تحت الإدارة الدولية ، ثم جاء الإحتلال البريطاني للأراضي الفلسطينية ، عام 1917م ، لحسم الخلاف بين الدول المستعمرة ، و خضعت فلسطين للإنتداب البريطاني . بصدور “وعد بلفور” ، عام 1919م ، الوعد الذي قدمته بريطانيا لإنشاء وطن لليهود في أرض فلسطين ، فقد كان النواة الرئيسية لمشروعهم الاستيطاني ، الذي تبلور بإقامة دولة إسرائيل ، في مايو / أيار 1948م .

الدول الأوروبية في سياساتها تجاة الصراع العربي – الإسرائيلي تضع على عاتقها علاقاتها الخاصة مع إسرائيل ، و التي ترتبط تاريخياً بالهولوكوست من ناحية ، في حين تحاول أوروبا الحفاظ على مصالحها الاقتصادية و السياسية المتنامية مع العرب من ناحية أخرى ، لذلك تسعى القارة العجوز إلى اتخاذ موقف وسط بين الفلسطينيين و إسرائيل و الولايات المتحدة . كما تحاول دول أوروبا تسوية القضية الفلسطينية ، و ذلك بإقامة اللجنة الرباعية ، و التي أصدرت ” خارطة الطريق ” لتكون الأسس التي تقام من خلالها دولة فلسطينية مستقل ، ثم طرحت أوروبا مشروع الاتحاد الأورومتوسطي لتعزيز التعاون الإقليمي و لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط .

أولاً: علاقة أوروبا بالسلطة الفلسطينية :  

لطالما تطلع الفلسطينيين على أن يكون لأوروبا دور محوري لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي ، هذا ما أكده تصريح رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض ، بقوله ” أنه من الضروري أن يكون للإتحاد الأوروبي دور فاعل في العملية السياسية ، و إنهاء الاحتلال ، و تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولة كاملة السيادة و عاصمتها القدس ” . (1)

ترجع علاقة الدول بالسلطة الفلسطينية إلى عام 1974م ، حيث تم إفتتاح أول مكتب تمثيل لمنظمة التحرير الفلسطينية ، في باريس ، لتكون فرنسا أول دولة أوروبية تستقبل رسمياً ياسر عرفات كرئيس للسلطة الفلسطينية ، حيث إلتقى به وزير الخارجية الفرنسي جان سوفنارغ حينها . (2)

عقب توقيع اتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية و إسرائيل ، في عام 1993م ، عقدت الدول الأوروبية مؤتمراً حاشداً لدعم و تنسيق المساعدات المالية المقدمة للفلسطينيين ، ثم وقعت اتفاقية تعاون و تجارة بين الإتحاد الأوروبي و السلطة الفلسطينية ، و هو ما أدى إلى زيادة حجم الصادرات الفلسطينية إلى أوروبا في العام نفسه ، إلى أن زادت الصادرات في الفترة ( 2002-2005 ) بأكثر من 7 أضعاف ما كانت عليه في السابق . (3)

أصبحت المساعدات الاقتصادية و المالية هي الركيزة الأساسية للموقف الأوروبي تجاة القضية الفلسطينية ، فقد قدمت أوروبا مساعدات فنية و مادية للسطة الفلسطينية ، إلا أن تلك المساعدات لم تؤدي إلى نتائج إيجابية على النحو المأمول ، و ذلك لإفتقارها إلى إجراءات مادية ملموسة تتمثل في ضغوط اقتصادية على إسرائيل ، أو حتى على مبيعات السلاح لها .

بعد فوز حركة حماس و وصولها إلى السلطة في قطاع غزة ، عام 2006م ، توقفت العلاقات الرسمية اقتصادياً ، بينما استمرت المساعدات الأوروبية للفلسطينيين في القطاع ، و ذلك عبر قنوات غير حكومية . بعد حصول الإنقسام الفلسطيني و مع تولي سلام فياض رئاسة الحكومة في الضفة الغربية ، ثم عادت المساعدات المالية التي تقدمها أوروبا و بشكل رسمي ، علاوة على زيادة الصادرات الفلسطينية إلى الإتحاد الأوروبي أكثر من ذي قبل .

مع اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية ، عام 2000م ، اتجه الرأي العام الأوروبي إلى مقاطعة منتجات و سلع المستوطنات الإسرائيلية ، على اعتبار أنها غير شرعية ، و بالتزامن مع تغير النظام السياسي لعدد من الدول الأوروبية ، و في مقدمتها ألمانيا ، التي تعتبر أكبر مانح أوروبي للسلطة الفلسطينية و الثالث عالمياً فبوصول الإئتلاف الإشتراكي ” الخضر” للسلطة في ألمانيا ، سعت برلين لتعزيز جهودها الدبلوماسية إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي .

   ثانياً: موقف الإتحاد الأوروبي من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية:

    عندما حدثت الأزمة الإقتصادية العالمية عندما استخدم العرب سلاح النفط في حرب 1973م ، مما جعل الدول الغربية و في مقدمتها الدول الأوروبية ، حيث ترى منطقة الشرق الأوسط تمثل بعداً إقيلمياً و أمنياً ، لذلك برز الدور الأوروبي تجاة القضية الفلسطينية بمبادرة فرنسا ، في عام 1976م ، فقد أيدت الدول الأوروبية حقوق الشعب الفلسطيني بشكل حذر ، حينما صدر بيان  طالبت فيه أوروبا بإنسحاب إسرائيل من الأراضي العربية و العودة إلى حدود 1967م .

في عام 1980م ، لعبت القارة العجوز دور أكثر فعالية من قبل ، حيث أطلقت بياناً رسمياً سمي ” بإعلان البندقية ” ، الذي عكس دعم و مساندة أوروبا لحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، و إقامة دولته المستقلة (4)

عاد الدور الحيوي لأوروبا بإصدار ” بيان بروكسيل ” ، في فبراير/شباط 1987م ، فقد حث البيان على إنعقاد مؤتمر دولي في الشرق الأوسط ، تحت رعاية الأمم المتحدة ، كما دعت الدول الأوروبية إلى ضرورة إجراء مفاوضات من أجل تسوية الصراع العربي –  الإسرائيلي . (5)

سادت فترة الثمانينات تنسيق مشترك بين الإتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة إزاء قضايا الشرق الأوسط ، و خاصة القضية الفلسطينية ، حيث تشابهت السياسة الخارجية الأمريكية مع سياسات أوروبا ، في عدم إجبار إسرائيل لوقف ممارساتها القمعية تجاة الفلسطينيين .

عقب سقوط الإتحاد السوفيتي مع مطلع التسعينات ، و بروز الدور الأمريكي الذي كان يميل إلى الإنفراد بالتسوية السلمية للصراع العربي – الإسرائيلي، من خلال مؤتمر مدريد للسلام ، عام 1991م ، فقد اكتفت أوروبا بصفة المراقب في المؤتمر . ثم أصدرت الدول الأوروبية “بيان فلورنسا” ، في يونيو/ حزيران 1996م ، لتعبر الجماعة الأوروبية عن موقفها من إقامة دولة فلسطينية ، طبقاً لحدود 1967م ، فقد أكدت أوروبا خلال البيان ، على ضرورة البدأ في مفاوضات جادة و مثمرة  لحل القضية الفلسطينية بشكل كامل . (6)

في عام 1998م ، أطلق وزير الخارجية البريطاني روبن كوك ” مبادرة” أعلن فيها أن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية غير شرعي ، و مخالف للقانون الدولي ، لتكون المرة الأولى التي تظهر فيها أوروبا موقف ضاغط إزاء إسرائيل ، لحثها على وقف التوسع الاستيطاني ، و دعم حقوق الفلسطينيين المشروعة.

بادرت أوروبا لطرح فكرة إنعقاد مؤتمر دولي ، عن طريق ممثلا الإتحاد الأوروبي ، خافير سولانا ، و ميجل بيترونس، في 30 يناير/ كانون الثاني ، عام 2002م ، ضم الولايات المتحدة ، و روسيا الإتحادية ، و الإتحاد الأوروبي ، و الأمم المتحدة ، ترأسه مساعد وزير الخارجية الأمريكي ويليم بيرنز ، و قد طالب سولانا بتأييد المبادرة الفرنسية ، التي طرحها الرئيس الفرنسي جاك شيراكفي العام نفسه ، و التي دعا فيها إلى إجراء انتخابات في داخل المناطق الفلسطينية ، إلا أن الوفد الأمريكي رفض المبادرة الفرنسية ، و طالب ببحث القضايا الأمنية فقط ، بالتركيز على مكافحة ” الإرهاب” . (7)   و ذلك من أجل توظيف ملف الإرهاب في الضغط على الفلسطينيين و نزع سلاح المقاومة .

  • محددات الدور الأوروبي تجاة القضية الفلسطينية ، يتمثل في :
  • ضرورة إقامة دولة فلسطينية طبقاً لحدود 1967م ، من خلال المفاوضات فقط ، و أي عملية تقوم بها الفصائل الفلسطينية تعد إرهابا .
  • المبدأ الرئيسي للمفاوضات من وجهة النظر الأوروبية هو ” الأرض مقابل السلام” .
  • المرجعية التي يعتد بها في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية ، قراري الأمم المتحدة 242 و 338 .
  • الأخذ بالمبادرة العربية التي طرحها الأمير عبد الله بن عبد العزيز ، في قمة بيروت ، عام 2002م ،و الداعية إلى التطبيع الكامل بين العرب و إسرائيل ، و التوصل لتسوية نهائية للقضية الفلسطينية .
  • أن خارطة الطريق و اللجنة الرباعية ، هى الآليات الملائمة لتنفيذ التسوية للصراع العربي – الإسرائيلي .

خلال جولات التفاوض بين إسرائيل و السلطة الفلسطينية ، كانت أوروبا حاضرة بصفة المراقب ، و لم تتغيب عن المشهد السياسي سوى في قمة واشنطن ، التي جمعت ( نتياهو- أوباما – عباس )، إذ لم يكن هناك تمثيل أوروبي ، مما أثار استياء بعض الساسة في أوروبا ، على اعتبار أن الإتحاد الأوروبي هو المانح الأكبر للمساعدات المالية التي تقدم للسلطة الفلسطينية ، حيث أعرب وقتها وزير الخارجية الفرنسي كوشنير ، عن إحباطه من القمة .

عقد مؤتمر وارسو، في 13فبراير/ شباط 2019م ، و الذي جمع إسرائيل مع عدد من الدول العربية برعاية أمريكية ، من أجل التطبيع و إعادة رسم حدود الشرق الأوسط من جديد ، لشرعنة وجود دولة إسرائيل في المنطقة ، و الترويج لإقامة علاقات اقتصادية و مشروعات اقليمية مشتركة تجمع إسرائيل بالدول العربية ، فمؤتمر وارسو و كذلك الخطة الأمريكية للسلام ” صفقة القرن ” الهدف منهما نسف القضية الفلسطينية ، إلا أن الطرف الفلسطيني رافض للخطة الأمريكية المطروحة ، و لم يكن هناك حضور فلسطيني في المؤتمر ، في حين  حضر ممثلين للإتحاد الأوروبي كمراقبين .

ثالثاً : االلجنة الرباعية و توصياتها إزاء القضية الفلسطينية :

تأسست اللجنة الرباعية في مدريد ، عام 2002م ، و التي أقرت أن يعقد مؤتمر للدول المانحة ، كي يتم من خلاله تقديم الدعم الدولي لبناء الدولة الفلسطينية ، و دعت اللجنة للإجتماع بشكل منفرد بين الطرفين الفلسطيني و الإسرائيلي ، في بروكسيل ، و مع أعضاء لجنة مبادرة السلام العربية ، في محاولة لخلق مناخ مناسب لإعادة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية .

تركت اللجنة الرباعية حسم قضايا الوضع النهائي ( القدس – الاستيطان – الحدود – اللاجئين – المياة ) ، لما يتفق عليه إسرائيل و السلطة الفلسطينية ، مع القبول بمبدأ المقايضة في أراضي معينة . كما أدانت الرباعية بناء إسرائيل للمستوطنات ، بما في ذلك التجمعات الاستيطانية في شرقي القدس كمستوطنة أرئيل.

أكدت اللجنة أن المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية يجب أن تنهي الاحتلال الإسرائيلي ، و العودة إلى حدود 1967م ، تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة ، إلا أن البندان الخاصان بالدولة الفلسطينية ، و الاستيطان ، لم يتم حسمهما ، و هو ما يعني أن يستمر الوضع على ما هو عليه ، و يبدي سلبية تجاة حل الدولتين ، و دون شرط وقف الاستيطان .

عارضت اللجنة الرباعية ما يسمى ب” الإرهاب ” ، و تعني به المقاومة المسلحة ، و أدانت اللجنة إطلاق صواريخ المقاومة من قطاع غزة  ، و أقرت أن ” لدى إسرائيل مخاوف أمنية مشروعة يجب أن تظل مصانة ” (8)   ، و هو ما يتعارض مع القانون الدولي ، و الذي يقر بشرعية حركات التحرر الوطنية و المقاومة المسلحة .

أعربت اللجنة عن دعمها لرؤية الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، في 19 مايو / أيار ، عام 2011م ، و نص مشروع أوباما على أن تترك قضايا اللاجئين ، و القدس ، لفترة زمنية معينة ، و فيما يخص الحدود أكد أوباما على العودة لحدود 1967م ، ثم تراجع أوباما بعد عدة أيام من طرح مشروعه بسبب ضغط اللوبي اليهودي ، ليستخدم عبارة ” مبادلة الأرض المتفق عليها ” ، دون تحديد فعلي للحدود ، و لكي يتم الأخذ بديموغرافية المكان و الوضع الراهن .

فرضت اللجنة الرباعية على الطرف الفلسطيني التعهد بعدم اللجوء إلى المقاومة المسلحة و التخلي عنها ، و هو ما صرح به مبعوث اللجنة لمنطقة الشرق الأوسط توني بلير ، بقوله ” إن الأمر الأكثر أهمية إذا كانت ستشكل حكومة وحدة وطنية ، فإنها يجب أن تكون وحدة حقيقة ، موقف الرئيس عباس واضح ، و هو الوصول لحل الدولتين ، و ذلك يجب أن يكون عبر المفاوضات السياسية ، و ليس من خلال العنف ، إذا كان ممكناًخلق الظروف المتوائمة في إطار موقف سياسي موحد ” . (9)  غير أن بلير رأى صعوبة أن تكون هناك حكومة فلسطينية ، منقسمة إلى شقين مختلفين ، أحدهما يبني سياسته من خلال التفاوض ، و الآخر بإستخدام السلاح ، على اعتبار أن المجتمع الدولي يلجأ إلى المفاوضات على أنها الحل الأمثل لتسوية القضية الفلسطينية .

إن قرارات اللجنة الرباعية أظهرت الإنحياز لإسرائيل ، و تبرير ممارساتها القمعية إزاء الشعب الفلسطيني ، في حين تحرم الفلسطينيين من كل أشكال المقاومة ، سواء كانت بالسلاح أو حتى الإنتفاضة ، و بالتالي لن يبقى للطرف الفلسطيني أية وسيلة ضغط خلال العملية التفاوضية ، و بذلك يظل ميزان القوى مختل تماماً لصالح إسرائيل .

رابعاً: علاقة إسرائيل بالإتحاد الأوروبي :  

    العداء و الكراهية التاريخية هي السمة السائدة للعلاقات الإسرائيلية الأوروبية ، منذ اضطهاد اليهود عبر التاريخ لعدم إندماج اليهودي في المجتمعات الغربية ، و فكرة العيش في الجيتو ، مما سبب العزلة المجتمعية لليهود، خاصة في أوروبا ، و الإرث التاريخي للهولوكوست ، مما جعل الدول الأوروبية يتنامى لديها الشعور بالذنب تجاة إسرائيل ، فقد برزت العلاقات القوية بين القارة العجوز و تل أبيب بإتفاق هاعافارا ، ثم التعويضات الألمانية ، إلى الاتفاقية مع السوق الأوروبية المشتركة في السبعينات ، و بعدها تداعيات ماسترخت في التسعينات .

يعود الدعم الأوروبي لإسرائيل منذ ” وعد بلفور” ، عام 1919م ، و الذي شكل النواة الرئيسية للمشروع الصهيوني ، بإقامة دولة إسرائيلية و تحقيق حلم هيرتزل ، فقد أمنت بريطانيا لليهود هجراتهم المتتالية إلى فلسطين ، لخلق واقع ديموغرافي يحقق الحلم الصهيوني .

  • العلاقات السياسية :

بسبب العداء تاريخياً مع اليهود في أوروبا تم تأسيس معهد لدراسة سياسات الدول الأوروبية تجاة اليهود ، و ذلك في عام 1992م ، حيث يصدر تقاريره السنوية بعنوان ” معاداة السامية و كراهية الأجانب اليوم ” ، و يرصد ممارسات كل دولة أوروبية على حدى تجاة اليهود ، و جمع المعلومات حول ما إذا كانت الحكومات و السلطات القانونية اتخذت الخطوات اللازمة لمحاربة ” معاداة السامية ” ، سواء كان ذلك على المستوى الأوروبي أو المستوى العالمي ، علاوة على تقارير المعهد السنوية ، التي يتم الأخذ بها كوسيلة توضح مدى ممارسة الديمقراطية في المجتمعات الأوروبية .

عندما شنت إسرائيل عدوانها على غزة 2008 ، طالب الرأي العام الأوروبي تعليق اتفاقيات التعاون مع إسرائيل ، حتى تحترم الأخيرة القرارات الدولية تجاة الشعب الفلسطيني ، حيث شهدت شوارع المدن الأوروبية حينها ، مظاهرات منددة بالعدوان الإسرائيلي ، فقد زادت النداءات لحركات المجتمع المدني ، و شنت حملة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية ، و سحب الاستثمارات و فرض العقوبات . اللافت أن حملة المقاطعة أصابت ذعر في الأوساط الإسرائيلية ، حيث رأوا أن الحملة الهدف منها نزع الشرعية عن إسرائيل ، إذ لم تقتصر المقاطعة على البضائع المنتجة من المستوطنات الإسرائيلية ، فالدعوة إلى المقاطعة شملت كل المستويات و وصلت إلى البعد السياسي كذلك . (11)   إلا أن المفوضية الأوروبية كانت قد رفعت مستوى التعاون مع تل أبيب ، قبيل أيام من العدوان الإسرائيلي على غزة ، فقد شاركت إسرائيل في منظمة التعاون و التنمية (OCDE)

في الآونة الأخيرة ، تأزمت العلاقات الإسرائيلية الأوروبية ، حيث ألغي مؤتمر دولي ، كان من المقرر أن تستضيفه إسرائيل ، و ذلك بسبب تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي ، بنيامين نتنياهو ، و التي اتهم فيها البولنديين بأنهم شاركوا الألمان في المحارق النازية ” الهولوكوست ” ، مما أحدث أزمة دبلوماسية بين بولندا و إسرائيل ، و تضامنت عدد من الدول الأوروبية مع الموقف البولندي .

  • بريطانيا :

شهدت العلاقات بين لندن و تل أبيب تناقضات و تجاذبات ، فبالرغم من الدعم اللامحدود الذي قدمته بريطانيا للكيان الصهيوني ، إلا أن العلاقات بين الطرفين لم تكن بالسهلة ، بسبب تزايد الأطماع الإسرائيلية علاوة على توتر العلاقات بين الطرفين ، حينما قررت الحكومة البريطانية طرد دبلوماسي إسرائيلي ، بسبب استخدام جوازات سفر بريطانية مزورة ، في اغتيال القيادي في حركة حماس ، محمود المبحوح ، في دبي ، في يناير/ كانون الثاني 2010م ، ثم أخذت العلاقات في التقارب عندما التقى وزير الخارجية البريطاني ، وليام هيغ ، بنظيره الإسرائيلي أفيجادور ليبرمان، في 8 يناير/ كاون الثاني 2014م ، لتعود العلاقات بين بريطانيا و إسرائيل أقوى من السابق.  (10) 

  • ألمانيا:

اتبعت الحكومة النازية في ألمانيا سياسة التهجير و التطهير لليهود ، عام 1933م ، حيث وقعت الحكومة النازية اتفاق  مع الوكالة اليهودية ، و المعروف باتفاق ” هاعافارا ” ، و الذي اقتضى أن تتعاون برلين مع الحركة الصهيونية في تشجيع الهجرة لليهود ، و بموجب الاتفاق تم الربط بالسماح بهجرة اليهود إلى فلسطين ، بشراء البضائع الألمانية من قبل اليهود . (11)  برزت أهمية الاتفاق بكون ألمانيا أصبحت بعده المصدر الأول للسلع إلى فلسطين ، و في تلك الحقبة كان هناك إجماع لدى الإدارة الألمانية ، على أن تكون فلسطين هى الوجهة الأساسية لليهود الألمان ، إلا أن العرب في تلك الأثناء ، رأوا أن سياسة ألمانيا في تهجير اليهود ، تضر سالباً بالقضية الفلسطينية ، لذلك طالب المفتي أمين الحسيني ، و معه رجال دين آخرون ، طالبوا بعدم إرسال أي مهاجرين يهود إلى فلسطين ، حينما التقوا بالقنصل الألماني العام في فلسطين وقتها ، هاينريس فولف ، إلا أن برلين لم تلتفت لتلك المطالب خوفاً على علاقاتها مع بريطانيا .  (13)

مع صدور لجنة بيل عام 1937م ، غيرت ألمانيا سياساتها تجاة العرب و أعادت النظر في اتفاق هاعافارا ، خاصة مع وضع السلطات البريطانية  تقييد على هجرة اليهود ، ثم أتت زيارة المفتي أمين الحسيني ، إلى برلين ، في عام 1941م ، لتوضح تغير السياسة الألمانية نحو دعم الحقوق العربية في الاستقلال ، و قد استمرت السياسة الخارجية لألمانيا على هذا النهج ، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، و مع هزيمة ألمانيا و احتلالها عام 1945م ، انتهى الدعم الألماني سياسياً للفلسطينيين .

  • فرنسا:

على الصعيد الفرنسي ، زادت المطالب بضرورة إيجاد حل للمشكلة اليهودية ، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، فمع عدم قدرة اليهود على الاندماج في المجتمع الفرنسي ، مما جعل باريس تساهم في هجرة يهود فرنسا إلى فلسطين ، و ساعدت أيضاً عدد من يهود أوروبا الشرقية في هجراتهم .

على الرغم من أن تل أبيب كانت ترى فرنسا حليف استراتيجي ، إلا أن العلاقات الإسرائيلية الفرنسية تراجعت بتولي بومبيرو الحكم في فرنسا ، و ذلك لوصفه إسرائيل أنها دولة عنصرية و دينية . ثم تدخلت الجماعات اليهودية في النظام السياسي الفرنسي ، عندما أجبرت الرئيس الفرنسي ديجول على ترك الحكم ، في عام 1969م ، فقد نظم اليهود تمرداً طلابياً و حدثت أحداث شغب في مايو/ أيار 1968م ، حيث قاد هذا التمرد ، اليهودي دانيال كوهين باندنت ، و بمساعدة الإعلام اليهودي في فرنسا ، مما أدى إلى هز أركان الحكم الديجولي ، و السبب في ذلك سياسة فرنسا تجاة إسرائيل .  (14) 

في فترة حكم ساركوزي تبنت باريس سياسة أكثر تقارباً مع الحكومة الإسرائيلية ، و ذلك من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي بين أوروبا و إسرائيل ، كما أن فرنسا كانت ترفض أية عقوبات اقتصادية على إسرائيل، و بصفة عامة إن جوهر علاقة إسرائيل مع الإتحاد الأوروبي تتركز في علاقاتها مع فرنسا .

  • العلاقات العسكرية :

   تركزت العلاقات الإسرائيلية مع أوروبا في مجال التسليح و التدريب ، من خلال التبادل العلمي في المجالات العسكرية المتنوعة ، حيث عمدت إسرائيل إلى تقوية علاقاتها ، بشكل متصاعد مع دول الإتحاد الأوروبي ، فالحكومة الإسرائيلية تؤمن سدس احتياجاتها من السلاح من أوروبا ، غير أن الفاهمات المتعلقة بالتقنية العسكرية ، تحاط بسرية تامة لإعتبارات أمنية ، و عسكرية ، و سياسية . أكبر خمس موردين أوروبيين  للسلاح بالنسبة لإسرائيل، هم فرنسا ، و ألمانيا ، و المملكة المتحدة ، و بلجيكا ، و بولونيا.

تعتمد إسرائيل على مصادر أساسية لتزويد قدراتها العسكرية ، من خلال التصنيع المحلي و الذي يسهم ب 49% في التسليح ، غير أن السلاح الأمريكي يشكل 29% ، بينما السلاح الأوروبي يؤمن 18% من احتياجات إسرائيل العسكرية . (15) 

تحتل بريطانيا المرتبة الثالثة أوروبياً ، في تصنيف الدول الموردة للسلاح إلى إسرائيل ، حيث تزودها بصواريخ بر- جو ( المضادة للطائرات) ، علاوة على معدات الحرب الإلكترونية ، و الإتصالات السلكية و اللاسلكية ، و محركات الطائرات الحربية المقاتلة ، و قطع و تجهيزات السفن الحربية.

سياسة إسرائيل الخارجية كانت تركز على فرنسا ، لأنها تعتبر أهم شريك أوروبي ، خاصة في المجالات العسكرية و تجارة السلاح ، فقد ساهمت فرنسا في البرنامج النووي الإسرائيلي ، و الذي بدأ في أوائل الستينات بتوقيع الاتفاقية النووية الفرنسية الإسرائيلية ، في عام 1953م ، مما مكن إسرائيل من إمتلاك ما يقرب من 200 رأس نووية .  (16) إلا أن ديجول فرض حظراً على مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى إسرائيل ، و ذلك في أعقاب حرب 1967م ، ثم عادت العلاقات العسكرية و إزدهرت ، خاصة في عهد ميتران و ساركوزي ، فقد قدمت باريس مساعدات تقنية في مجال صناعة الصواريخ بأنواعها ، و كذلك القطع البحرية ، و الرادارات ، علاوة على تزويد إسرائيل بطائرات الميراج ، و التي وصفت بأسطورة ( حرب الأيام الستة ) .  

عمدت الحكومة الإسرائيلية على مد علاقاتها لتطال دول الإتحاد الأوروبي ككل ، حيث وقعت إسرائيل صفقات مشتركة ذات طابع عسكري مع سويسرا ، أضف إلى ذلك علاقاتها مع إسبانيا ، و التي تقدم بعض الأسلحة كمنح .

  • العلاقات الاقتصادية :

كانت أـوروبا تفرض حصار اقتصادي على دخول بضائع المستوطنات الإسرائيلية إلى بلدانها ، على اعتبار أن وجود تلك المستوطنات غير شرعي ، خاصة و أن الرأي العام الأوروبي كان يدعم القضية الفلسطينية ، لوجيستياً، من خلال تقليل القوى الشرائية للسلع و منتجات المستوطنات ، ما شكل عبء اقتصادي على حركة التبادل التجاري بين الإتحاد الأوروبي و إسرائيل ، خاصة مع اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية ، في عام 2000م ، فقد زاد الحصار على صادرات المستوطنات ، مما كبل الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة . في الحقيقة هذا الحصار الذي فرض على بضائع المستوطنات ، لم يتعدى كونه حرمان من الإمتيازات و التسهيلات لدخول تلك المنتجات إلى أوروبا .

الإتحاد الأوروبي هو المصدر الأكبر اقتصادياً لإسرائيل و تليه الولايات المتحدة ، كما تعد بلجيكا أكبر شريك أوروبي لتل أبيب ، و المصدر الثاني الأكبر أوروبيا هي سويسرا ، و تحتل قبرص الموقع العاشر بين المستوردين الأوروبيين للسلع الإسرائيلية ، غير أن صادرات إسرائيل لقبرص تبلغ 13 ضعف ما تستورده منها ، و هو ما يحقق فائض لصالح إسرائيل ، يقدر بأكثر من 800 مليون دولار سنوياً . (17)   في الحقيقة تعتبر أوروبا سوقاً ضخماً للاقتصاد الإسرائيلي ، و أيضاً تعد منصة تقفز من خلالها السلع الإسرائيلية إلى الأسواق العربية و الإسلامية .

في ديسمبر/ كانون الأول 2018م ، توصلت إسرائيل إلى اتفاق مع اليونان ، و قبرص ، و إيطاليا ، لمد خط أنابيب غاز بتكلفة 6 مليار يورو ، لنقل الغاز من تل أبيب إلى الدول الثلاث الأوروبية ، حيث أن ما تحتاجه أوروبا من الغاز (240 مليار متر مكعب ) سنوياً ، و بموجب الاتفاق تحصل الدول الأوروبية على ( 100 مليار مكعب ) ، من إسرائيل سنوياً ، و تعقيباً على ذلك قال  نتنياهو في تصريح له ”  إذا ما مضت الأمور وفقاً لما هو مخطط ، فإننا نتوقع أن تصبح إسرائيل واحدة من أكبر موردي الطاقة إلى أوروبا ، بحلول 2024/2025 ”

  و أخيراً …

إن دول الإتحاد الأوروبي تؤيد القضية الفلسطينية لفظياً ، دون أي تحرك فعلي ، فأوروبا لا تمارس أي نوع من الضغط على إسرائيل ، في الوقت الذي تنتهج  فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي ” إرهاب الدولة ”  بحق الشعب الفلسطيني الأعزل ، و المحاصر في قطاع غزة ، في حين تصف الدول الأوروبية المقاومة الفلسطينية بالإرهاب ، و تسعى لنزع سلاح الحركات الفلسطينية ، في تحيز واضح تجاة إسرائيل ، كما أن أوروبا كثيراً ما تستخدم المنح و المساعدات المالية ، كورقة ضغط على السلطة الفلسطينية . في حقيقة الأمر أظهرت المقاومة الفلسطينية المسلحة أنها شريك في العملية السياسية ، حينما شنت إسرائيل عدوانها على غزة عام 2014م ، بدت المقاومة على أنها بمثابة جيش مسلح قادر على حماية الفلسطينيين و التصدي لهجمات الجيش الإسرائيلي ، و طالت صواريخ المقاومة المنشآت الحيوية في إسرائيل ، مما يغير قواعد اللعبة ، إذ لم يعد ميزان القوى كما كان في السابق مختل لصالح إسرائيل ، خاصة مع تطوير المقاومة نظم دفاعها الصاروخية وفقاً لتصريحات حسن نصر الله الأخيرة .

  • الهوامش :
  • صحيفة الشعب اليومية ، 15/9/2010

www.http:arabic.peopledaily.com

  • دينيس سيفير، فرنسا و الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ، مركز الزيتونة للدراسات و الاستشارات ، بيروت ، نوفمبر / تشرين الثاني 2010 .
  • نصر عبد الكريم ، العلاقات الأوروبية – الفلسطينية: الدور الاقتصادي الأوروبي ، مركز الزيتونة للدراسات و الاستشارات ، بيروت / نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 .
  • نادية محمود مصطفى ، أبعاد الدور السياسي لأوروبا وحدوده : إشكالية الاستمرارية و التغيير ، مجلة الشؤون العربية ، عدد 121 ، ربيع 2005 ، ص 50-51 .
  • نبيه الأصفهاني ، الموقف الأوروبي من مؤتمر السلام الدولي ، مجلة السياسة الدولية ، العدد 90 ، أكتوبر / تشرين الأول 1987 ، ص92-94.
  • عبد الفتاح الرشدان ، المواقف الفلسطينية و العربية من الدور الأوروبي في تسوية القضية الفلسطينية ، مركز الزيتونة للدراسات و الاستشارات ، بيروت ، نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 ، ص 6.
  • سعيد عكاشة ، المبادرات الأوروبية في الشرق الأوسط : خربشات في جدار صلب ، مجلة السياسة الدولية ، العدد 148 ، إبريل / نيسان 2002 ، ص 79 .
  • التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2011 ، مركز الزيتونة للدراسات و الاستشارات ، ص 205-206 .
  • المصدر نفسه ، ص 209-210 .
  • هيثم مزاحم ، العلاقات الإسرائيلية – الأوروبية : المسؤولية التاريخية لأوروبا عن القضية الفلسطينية ، مركز باحث للدراسات الفلسطينية و الاستراتيجية ، 2016 .
  • نهال شهال ، المرتكزات الحالية للتضامن الأوروبي مع فلسطين ، مركز الزيتونة للدراسات و الاستشارات ، بيروت ، نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 .
  • محمد أبو غزالة ، السياسة الخارجية الألمانية تجاة القضية الفلسطينية ، مركز الزيتونة للدراسات و الاستشارات ، بيروت ، نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 ، ص 3 .
  • المصدر نفسه ، ص 4 .
  • وفاء الشربيني و آخرون ، إسرائيل و الإتحاد الأوروبي ( إسرائيل من الداخل : خريطة الواقع و سيناريوهات المستقبل ) ، المجلد الثاني ، القاهرة ، 2003 ، ص 963 .
  • أمين حطيط ، العلاقات و الاتفاقات العسكرية و الأمنية الأوروبية الإسرائيلية و مدى تأثيرها على السياسة الخارجية الأوروبية ، مركز الزيتونة للدراسات و الاستشارات ، بيروت ، نوفمبر/ تشرين الثاني ، 2010 .
  • المصدر نفسه ، ص 9- 10 .
  • حسين أبو النمل ، العلاقات الاقتصادية الأوروبية الإسرائيلية و مدى تأثيرها على السياسة الخارجية الأوروبية ، مركز الزيتونة للدراسات و الاستشارات ، بيروت ، نوفمبر / تشرين الثاني 2010 .
2.7/5 - (7 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى