إستراتيجية تصعيد النزاع في اليمن: الوقوع في الفخ الإيراني وتهدد في انتشار المجاعة
-المركز الديمقراطي العربي
طالبت الأمم المتحدة بجمع 2.1 مليار دولار لتوفير الغذاء ومساعدات ضرورية أخرى يحتاجها 12 مليون شخص في اليمن الذي يواجه خطر المجاعة بعد عامين من بدء العدوان السعودي.
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن جيمي مكغولدريك في وثيقة المناشدة: “الوضع في اليمن كارثي، ويتدهور بسرعة”، مؤكدا أن “نحو 3.3 ملايين شخص بينهم 2.11 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد“.
وقالت الأمم المتحدة، “قرابة 19 مليون يمني في المجمل، أي أكثر من ثلثي تعداد السكان، بحاجة للمساعدة والحماية، وما زالت الاشتباكات والضربات الجوية المستمرة توقع خسائر ثقيلة وتضر بالبنية الأساسية العامة والخاصة وتعيق توصيل المساعدات الإنسانية“، مشيرة الى ان “الموانئ والطرق والجسور والمصانع والأسواق تعرضت للقصف“.
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الأسبوع الماضي، أن ما يقدر بنحو 63 ألف طفل يمني لقوا حتفهم العام الماضي لأسباب كان من الممكن منعها وتتعلق في كثير من الأحيان بسوء التغذية.
بدوره قال يان إيغلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، في بيان منفصل: “إذا لم تقتلك القنابل في اليمن، فإن الموت جوعا ببطء يمثل خطرا متزايدا الآن“.
خلال معظم فترة الحرب الأهلية في اليمن التي تدخل عامها الثالث الشهر المقبل، حذّرت إدارة أوباما شريكتها الوثيقة المملكة العربية السعودية من الانجرار بشكل أعمق إلى حرب استنزاف أجّجها الإيرانيون جزئياً بتكلفة منخفضة جداً.
وبالانتقال سريعاً إلى أحداث اليوم، تسارع الحكومة اليمنية وداعموها في التحالف، بمن فيهم السعوديين، إلى تصعيد جهودهم العسكرية. وقد طُلب من الولايات المتحدة المساعدة في هذه الجهود، من خلال توفير المزيد من الدعم والذخائر الإضافية الموجهة بدقة.
ولكن قبل الاستجابة لأي طلبات دعم جديدة،يقول الباحث “إريك بيلوفسكي” وهو زميل زائر في معهد واشنطن. وقد شغل منصب مساعد خاص للرئيس الأمريكي والمدير الأقدم لشؤون شمال أفريقيا واليمن في “مجلس الأمن القومي” في الفترة 2014-20177،في مقال نشرته “ذي هيل” أنه على صنّاع القرار الأمريكيين طرح أسئلة صعبة حول ما إذا كان هذا التصعيد والاستراتيجية وراءه سوف يعزّزان مصالح الولايات المتحدة أو يساهمان في حرب مطوّلة ويسببان المزيد من المجاعة في اليمن وفيما يلي نص المقال:
لقد أنزلت الحرب التي دامت أكثر من عامين الدمار بالشعب اليمني والبنية التحتية في البلاد. ويعاني ما يقرب من نصف مليون طفل من سوء تغذية شديد الحدة، الأمر الذي ينهك أجسادهم ويهدّد حياتهم.
كما أسفرت الحرب عن جلب نظام الرعاية الصحية إلى حافة الانهيار، وشرّدت مليونيْ شخص وأرغمت 10 ملايين آخرين على الاعتماد على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
ومن المرجّح أن يكون لهذا التصعيد من قبل اليمن وقوات التحالف تأثير على النزاع على ساحل البحر الأحمر وفي الداخل اليمني.
فبعد أشهر من الجمود، سترحّب الحكومة اليمنية وأنصارها في التحالف بأي تقدّم يُحرز ضد الحوثيين. وتقول الرواية العامة والدبلوماسية إن هذا التصعيد العسكري سيساعد على إرساء التوازن على طاولة المفاوضات. وفي حين أن التوازن أمراً ضرورياً، إلا أن المقاربة الحالية قد تتبع المسار نفسه القائم على المزيد من الحرب وتقليص الاعتماد على إستراتيجية محددة.
وإذا استعادت الحكومة اليمنية كافة الموانئ اليمنية الواقعة على البحر الأحمر (من بينها الحديدة)، فقد تخفض الإمدادات الغذائية لليمنيين أو تقطعها في وسط البلاد وشمالها. وينفي دبلوماسيون يمنيون وغيرهم بأن ذلك سيحدث، ويؤكدون على أنه سيتمّ توزيع المواد الغذائية بشكل أكبر وأكثر إنصافاً في جميع أنحاء اليمن.
ومع ذلك، ستطوّق خطوط المعركة على الفور هذه الموانئ الواقعة على البحر الأحمر. وسواء شكّك المرء بهذه النوايا أم لا، فإن توزيع المواد الغذائية عبر خطوط المعركة على نطاق واسع لطالما أثبت أنه أمر شبه مستحيل.
ونتيجةً لذلك، سيضيق الخناق على العاصمة صنعاء ومعقل الحوثيين صعدة من خلال ممارسة مزيج من الضغوط الاقتصادية والإنسانية.
يُذكر أن حوالي 90 في المائة من المساعدات الغذائية من قبل الأمم المتحدة و70 في المائة من واردات المواد الغذائية التجارية ما قبل اندلاع الحرب في اليمن تدخل البلاد عبر موانئ البحر الأحمر.
ومع ذلك، يقرّ الكثيرون أن الضغوط الاقتصادية أو الإنسانية لن تؤثر بسهولة على الحوثيين. ولا يمكن التفكير بطريقة مغايرة إذا نظرنا إلى تاريخ الحوثيين واستعدادهم للمثابرة ضد خصوم مزوّدين بأسلحة أفضل.
ومع مرور الوقت، من شأن هذه الإستراتيجية أن تخلق ضغوطاً كبيرة على الشعب اليمني الذي يسكن وسط البلاد وشمالها، على أمل أن ينصبّ استياؤه في النهاية على الفاعل المسبّب (الحوثيون) بدلاً من المسؤول المباشر (الحكومة اليمنية ومؤيديها في الائتلاف).
وستفاقم هذه الإستراتيجية وضعاً إنسانياً متردياً أساساً. فقد أفادت الأمم المتحدة أن 7 ملايين يمني على الأقل بحاجة إلى مساعدات غذائية طارئة من أجل البقاء على قيد الحياة و2.2 مليون يمني على الأقل يعانون بالفعل من سوء تغذية حاد.
وإذا ما سقطت اليمن في براثن المجاعة، التي عملت إدارة أوباما جاهدة على تجنبها، قد نرى أعداداً هائلة من الوفيات. فعلى سبيل المقارنة، أودت المجاعة في الصومال خلال عام 2011 بحياة أكثر من ربع مليون شخص من بين السكان الذين كان يقل عددهم عن نصف سكان اليمن.
أما المقاربة الأفضل، فتتمثل بتركيز التحالف على التهديد الذي يشكله الحوثيون على المدنيين السعوديين والشحن الدولي من خلال دعم جهوده الرامية إلى زيادة الضغط العسكري على طول الحدود السعودية، واستهداف الصواريخ البالستية التي يسيطر عليها الحوثيون، وتدمير الصواريخ المضادة للسفن التي بحوزة الحوثيين.
وهذا ما ستسفر عنه أيضاً مقاربة دبلوماسية موازية توافق على اتخاذ تدابير سياسية وأمنية متسلسلة، مثل تلك القائمة في “خارطة الطريق” التي وضعتها إدارة أوباما لحل الأزمة اليمنية. وربما يمكن أن تستند هذه المقاربة الدبلوماسية الموازية على زيارة الرئيس الإيراني الأخيرة للكويت.
ويتعيّن على أي مقاربة دبلوماسية مماثلة منح دور لكافة الجاليات اليمنية – من بينها الحوثيون – في الحكومة الجديدة. كما لا بدّ من أن تَختبر إرادة الحوثيين بالتخلي عن السيطرة العسكرية مقابل الحصول على مثل هذا الدور. ويجب أن يحتل هذا الاختبار الأولوية، ولكن لا يمكن التخلي عنه تحت أي اسم آخر.
وقد سبق لإدارة ترامب أن اعتبرت أن اليمن يشكل تهديد إرهابي. وفي الوقت الذي تقوم فيه الإدارة الأمريكية الجديدة بوضع سياستها الخاصة تجاه اليمن، لا بدّ لصنّاع القرار الأمريكيون أن يدرسوا بعناية الإستراتيجيات التي يتبعها شركاؤهم.
ولا يمكن للتصعيد العسكري وحده أن يؤدي إلى قطع علاقة الحوثيين مع الإيرانيين. ويتعيّن على أي مقاربة أمريكية أن لا توافق على جعل الشعب اليمني الرهينة الرئيسية لهذا الصراع.
وأخيراً يختم “إريك بيلوفسكي” المقال في القول أنه “يجب على أي إستراتيجية أمريكية أن لا تقبل بالغوص بصورة أعمق في مستنقع من صنع إيراني في اليمن”.
يشهد اليمن منذ بداية 2017 تصعيدا عسكريا على مختلف جبهات القتال، ترافقه تصريحات ملتهبة من طرفي الصراع، في مؤشر على أن الخيار العسكري سيكون الأبرز في العام الجديد، مقابل تراجع فرص الحل السياسي.
وبدعوى تهميشهم اقتصاديا وإقصائهم سياسيا، سيطر مسلحو تحالف جماعة “أنصار الله” (الحوثي) والرئيس السابق علي عبد الله صالح، على العاصمة صنعاء، في 14 سبتمبر/ أيلول 2014، ثم محافظات أخرى، وسط اتهامات لهم بتلقي دعم عسكري إيراني.
وهو ما رد عليه تحالف عربي تقوده السعودية، بإطلاق عملية عسكرية، في 26 مارس/ آذار 2015، بناء على طلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي؛ لردع “الحوثي وصالح”، لكن ورغم مرور أكثر من عشرين شهرا، لم ترجح المعارك كفة طرف على آخر.