بين تهجيرين
بقلم : عبدالله عبدالحميد فرحان
تشهد مدينة عدن اليوم عمليات تهجير قسري للمئات من المواطنين اليمنيين المنتمين لمحافظات شمالية، اعتمادا على الهوية المناطقية، مشهدٌ قد يعيد التذكير بفاتحة الحرب الحالية في اليمن، وتحديدا في التاسع عشر من يناير ٢٠١٤م، حيث تم الاتفاق بين كلٍ من عبدربه منصور هادي وبين جماعة أنصار الله “الحوثيين” على تهجير السلفيين من بلدة “دماج” في محافظة صعدة، ليتبع ذلك حلقاتٌ متواصلة من الحروب والصراعات في مشهد دموي هو الأعنف في تاريخ البلاد المعاصر.
لعل أحد القواسم المشتركة فيما جرى من تهجير لأهل دماج في صعدة، وما يجري من تهجير لمواطنين يمنيين في عدن، هو هادي نفسه، فمن مسئوليته المباشرة – كمسئول أول في السلطة القائمة في الجريمتين، إلى مسئوليته المباشرة في التخطيط والتنفيذ لهما، بشرعنته مقايضة حقوق المواطنة بالأمن، كغطاء لتنفيذ أجندات ديمغرافية مشبوهة، وتهيئة الأرضية لتعميق صراعات سياسية اجتماعية معقدة.
لا شك أن تحقيق الأمن متطلب أساسي، وقضية محورية، إلا أنَّ مقاربة الأمن مقابل الكرامة الإنسانية تمثل مقاربة ظالمة بقدر ابتعادها عن المنطقية والموضوعية، وهو ما تؤكده عشرات الوقائع التاريخية المماثلة في أكثر من منطقة في العالم خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، فبقدر ما تمت الإساءة لقيمة الكرامة الإنسانية افتقدت المجتمعات التي شهدت جرائم التطهير العرقي الأمن :
“اللذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون”.
حسب الكثيرين تتطابق الأجندات الإقليمية في توريطها قوى معينة داخل الحراك الجنوبي (ردفان والضالع)، مع الأجندات الإقليمية في توريط جماعة أنصار الله (الحوثيين)، يتداخل دور الأداة بدور الضحية، بما يفضي – من جهة – إلى استنزاف هذه القوى أخلاقيا وسياسيا، ورفع منسوب العداوة لها، وتحجيم المشاريع السياسية لهذه القوى وتقليص دورة حياة فعلها السياسي، وإلى خلخلة الأرضية السياسية والاجتماعية للبلد من جهة أخرى.
يظهر توقيت ما جرى في صعدة بحق أبناء دماج بالتزامن مع مؤتمر الحوار الوطني، وتوقيت ما جرى في عدن بحق المواطنين أبناء المحافظات الشمالية بالتزامن مع المفاوضات الجارية في الكويت، تزامن تلك الانتهاكات مع مفاوضات الحل السياسي، ما قد يضع المتابع أمام عدة افتراضات أقلها تشاؤما أن هذه الانتهاكات تهدف إلى إفشال فرص الحل السياسي، فيما يتصاعد تشاؤم الافتراضات ليشير إلى احتمالية أن هذه الانتهاكات ليست إلا جزءً لا يتجزأ من ما يجري تحت طاولة المفاوضات وخلف كواليسها، وتحديداً بين أكثر الأطراف وراء الصراعات وتأجيجاً لها.
يبقى الثابت الدائم في كل الصراعات التي تشهدها اليمن، أنه وفيما تنهمك القوى السياسية في صراعاتٍ تضعفها وتقوض مشاريعها، تتجاهل هذه القوى مقررات التاريخ وحركته، وتبتعد عن إدراك المشهد الاجتماعي والثقافي في البلد، فيما يظل المواطن البسيط هو الأكثر تضرراً من تجاهل مصالحه، والتضييق عليه في فرص الرزق والحركة والتفاعل والحياة.
اللهم فاشهد
اللهم فاشهد
اللهم فاشهد